عرفت السينما منذ وقت مبكر أساليب المنع، وذلك منذ وقت مبكر جدا، وكان ذلك يحدث للمشاريع الفنية حتى وهى فى طور الفكرة، ومن ذلك ما حدث لفيلم "النبى" وهو فيلم عالمى، كان سيقوم ببطولته النجم يوسف وهبى، ونعتمد فى ذلك على كتاب "تراث مصرى" لـ أيمن عثمان.
حصلت شركة "ماركوس للسينما" الألمانية عام 1925 على موافقة مصطفى أتاتورك على دعم الحكومة التركية لفيلم "النبي" عن شخصية النبي محمد، وحصرت معالم بطل الفيلم في أنه يجب أن يكون عربيًّا مسلمًا وذا ملامح شرقية.. أرسلت الشركة فنانًا تركيًّا يهوديًّا اسمه "وداد عرفى" إلى مصر للبحث عن البطل.
في مصر شاهد خمس وسبعين ممثلًا مرشحين للدور، تابعهم في سِرّية تامة دون أن يبوح لأحدٍ بمهمته، استقر رأيه على الفنان يوسف وهبي، وفاتحه في الأمر، تحمس يوسف للدور ووافق، حصل وداد من يوسف على صور له لعدد من أدواره المسرحية، وأرسلها إلى مقر الشركة في ألمانيا مع رسالة فيها تاريخه الفني.
وافقت الشركة على أن يقوم يوسف وهبي بالدور، ووجدته الأنسب بين كل المرشحين، أرسلت الشركة دكتور كراوس إلى مصر للتعاقد معه، وقَّع يوسف وهبي العقد، وكان مبلغ التعاقد عشرة آلاف جنيه، نشر يوسف الخبر في الصحف معتقدًا أن ردود الفعل لن تخرج عن إطار التهنئة والدعم المعنوي، ولكن أتت الرياح بما لا يشتهي الفنان، اهتز الأزهر الشريف، وأعلن شيخ الأزهر أن ظهور شخصية الرسول الكريم على الشاشة لا يجوز ولا يمكن أن يسمح به على أية صورة من الصور، كما صرَّح قلم الرقابة أن فكرة الفيلم تعرِّضه للمنع لأن فيه انتهاك لـحُرمة الأديان السماوية.
كاد الأمر أن يصل إلى فتوى من مفتي الديار المصرية بخروج يوسف وهبي على دين الإسلام وتكفيره، ويصل لتجريده من الجنسية وطرده خارج البلاد، مئات الرسائل استقبلها يوسف وهبي من جمهوره، فيها غضب شديد على فعلته، فآثر السلامة ولغى العقد.
ضغطت الصحف على المسئولين تطالب بطرد الفنان التركي وداد عرفي من مصر، لأنه تجرّأ وطرح مثل هذه الفكرة، هربَ وداد إلى باريس قبل إصدار قرار ترحيله، وعاد إلى القاهرة بعد عدة شهور نسيت فيها الأزمة، وساهم في عدد من المشروعات الفنية مع فاطمة رشدي وعزيزة أمير وآسيا جميعها فاشلة، ولاحقًا منعت له قلم الرقابة عرض فيلم "مأساة الحياة" بطولة راقصة تركية اسمها "أفرانز هانم" لأنه يسيء لسمعة مصر.