الأديب الفرنسى فونتنيل عاش قرنا من الزمان، وكتب عنه فى التاريخ الأدبى، «لم يكن ثمة إنسان بمثل برودة أعصاب فونتنيل، لم يضحك قط، ولم يبك، ولم يستسلم للغضب، ولم يسرع فى سيره، لم يقاطع قط إنسانا، ولم يكن يبالى كثيرا بالكلام، حتى إنه اتهم مرة بأنه يسمع طوال النهار دون أن يجيب».
وكان فونتنيل من أبرز من مثل عصره، ساخرا ظريفا لا يدع مناسبة تفوته دون أن يطلق نكتة أو تعليقا ساخرا، وسئل مرة عن أحوال شقيقه الذى انخرط فى سلك الكهنوت فأجاب:
لا أعلم شيئا كثيرا عنه، أعتقد أنه فى الصباح يشترك فى القداس وفى المساء ينسى ما يقوله.
كان فونتنيل ومعه الأديبة الفرنسية مدام دو نسان ينتظران الكاردينال دوبوى، الذى كان وقتها رئيسا للوزراء، وعرف عن الثلاثة أنهم يحبون أكل الهليون، وسأل الطاهى فونتنيل: كيف تريد يا سيدى أن اقدم الهليون؟.. فأجابه: الكاردينال يحب الهليون مع الصلصة البيضاء، والسيدة دو نسان تفضله كما هو عاديا، أما أنا فأحبه بالزيت، ولكن اليوم افضل أن أتناوله مع الصلصة البيضاء. وظلوا ينتظرون الكاردينال الذى تأخر حتى أقبل الخادم يحمل رسالة تقول إن الكاردينال رئيس وزراء فرنسا مات.
فما كان من فونتنيل إلا أن صاح: اصنع الهليون كله بالزيت.
وسئل فونتنيل مرة عما إذا كان متشوقا للزواج فأجاب: بلى أحيانا.. فى الصباح.
وكان فى السابعة والتسعين من عمره عندما قال له أحد أصدقائه: لا بد أن الموت قد نسيك؟
فرفع إصبعه إلى شفتيه مرددا: هش.. اصمت.
وقبل ساعات من وفاته وقد عاش مائة سنة قال بروحه المعهودة: إنها المرة الأولى التى سأشهد فيها حالة وفاة.
وقبيل وفاته كان قد بلغ من الشيخوخة مبلغا، سأله طبيبه بم تشعر؟. أجابه: بصعوبة كبيرة فى العيش.. لقد آن الأوان لأرحل عن هذا العالم، فلقد بدأت أرى الأشياء كما هى. وعندما تحركت جنازة فونتنيل أطل الشاعر بيرون وكان جارا له، من النافذة وتأمل المشهد ونادى ابنة أخيه قائلا: تعالى انظرى أمرا غريبا. هو ذا جارنا فونتنيل خارجا من منزله، ولكنه ليس ذاهبا ليتناول عشاءه.