جاء القرآن الكريم، حاملاً للكثير من الصور البلاغية العظيمة والتعبيرات الجمالية الجديرة بالتوقف، فجاء كـ آية للناس بجلال كلماته وجمال مفرداته وعظمة بلاغته، رسالة الهدى على النبى محمد صلى الله عليه وسلم، هدى للناس وبيانات من الهدى والفرقان، وقادر على جذب أسماعهم وأبصارهم، وأسر قلوبهم.
والقرآن حافل بالعديد من الآيات نزلت بلغة جميلة قادرة على التعبير الجمالى والتصوير الفنى، بالإضافة لزيادة فى المعنى، ومفردات كثيرة زينها الحسن والإبداع والإتقان، ومن تلك الآيات الجمالية التى جاءت فى القرآن: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِى حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.
افتتحت السورة بقوله تعالى: "إنا أنزلناه فى ليلة القدر"، وهذا الإسناد، هو إسناد إلى ضمير الجمع، ويقتضى عظمة الشيء المتكلَم عنه. والبديع فى النظم القرآني، أنه لم يأتِ بذكر الاسم الظاهر للقرآن، فلم يقل: إنا أنزلنا القرآن فى ليلة القدر، بل عبر عنه بالضمير "أنزلناه"، جاء فى التحرير والتنوير: 30/456: "وفى الإتيان بضمير القرآن دون الاسم الظاهر، إيماء إلى أنه حاضر فى أذهان المسلمين، لشدة إقبالهم عليه.. إيماء إلى شهرته بينهم".
واستنادا إلى تفسير القرطبى: قوله تعالى: إنا أنزلناه يعنى القرآن، وإن لم يجر له ذكر فى هذه السورة; لأن المعنى معلوم، والقرآن كله كالسورة الواحدة. وقد قال: شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن وقال: حم والكتاب المبين إنا أنزلناه فى ليلة مباركة، يريد: فى ليلة القدر.
وقال الشعبى: المعنى إنا ابتدأنا إنزاله فى ليلة القدر. وقيل: بل نزل به جبريل عليه السلام، جملة واحدة فى ليلة القدر، من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى بيت العزة، وأملاه جبريل على السفرة، ثم كان جبريل ينزله على النبى صلى الله عليه وسلم، نجوما نجوما. وكان بين أوله وآخره ثلاث وعشرون سنة; قاله ابن عباس، وقد تقدم فى سورة (البقرة) وحكى الماوردى عن ابن عباس قال: نزل القرآن فى شهر رمضان، وفى ليلة القدر، فى ليلة مباركة، جملة واحدة من عند الله، من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين فى السماء الدنيا; فنجمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجمه جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم، عشرين سنة.