تمر هذه الأيام الذكرى الـ84 على وفاة الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعى، أحد أقطاب الأدب العربى الحديث فى القرن العشرين، وأحد هؤلاء الذين كتبوا فى الشعر والأدب والبلاغة باقتدار، وهو ينتمى إلى مدرسة المحافظين وهى مدرسة شعرية تابعة للشعر الكلاسيكي.
كان "الرافعى" أحد هؤلاء الذين وقعوا فى حب الأديبة الراحلة مى زيادة، وكتب رسائل غرام إليها، وحاول كثيرا التقرب لها والتودد إليها، لكنه كان كما غيره لما يطال أحد منهم الجميلة التى سحرت أدباء عصرها.
وبحسب مقال للروائى الجزائرى واسينى الإعرج، نشر تحت عنوان " الحب من طرف واحد مصطفى صادق الرافعى ومى زيادة" كان مصطفى صادق الرافعى يكبر مى زيادة بسنوات كثيرة، فى رتبة والدها، أحبها بجنون لدرجة الافتتان بها، حتى أصبح يراها فى كل مكان، هجر بسببها زوجته، وابتعد عن أولاده الكثيرين، وبدأ يميل نحو جنون غير معلن. الجنون العشقى لولا اللغة التى أنقذته، وتخيله الحي، لانتهى به الأمر إلى أحد مستشفيات الأمراض العقلية.
تخيلوا رجلاً عاقلاً متديناً ومفكراً إسلامياً يقطع المسافات الطويلة، بين طنطا والقاهرة، متحملاً متاعب أدخنة القطارات القديمة، والمحطات الباردة، صباح كل يوم ثلاثاء لا لشيء سوى ليستمع لما تقوله مى زيادة. ولا هم له من حضور صالونها إلا الاستئناس بحضورها والكتابة عنها. هل الدافع ثقافى فقط يتعلق بالنقاشات المعاصرة التى ينظمها المهزومون؟ طبعاً لا، بل هو أكبر من ذلك. الممعن فى حياة صادق الرافعى يلمس أشياء أخرى تتعلق بطبيعة حبه لمي.
غير أن أديبنا لم يحب من النساء مى زيادة وحدها. ويقول الناقد الكبير رجاء النقاش إن الرافعى هام «أدبياً» بنساء كثيرات، واشتعل ببعضهن حباً: «وكان للرافعى فى ذلك تصرفات تبدو غريبة جداً. فقد كان يستأذن زوجته فى الحب، وكان يطلعها على رسائله إلى حبيبته ورسائل حبيبته إليه. وكانت الزوجة الطيبة تقبل ذلك وترضاه لعلمها أن (حدود) حب الرافعى هى حدود الانفعال والتعبير عنه، وإنه لا يخرج عن هذه الحدود بسبب الرادع الدينى عنده».
عاش الرافعى قصة حبه مع «الآنسة مي» فى داخل نفسه بعدما أدرك - مثل سواه من كبار العاشقين - أن له مكاناً أثيراً فى الصالون، وليس فى القلب. وكتب لها «أوراق الورد»، مجدداً منذ تلك الأيام فى الصيغة الشعرية، أو «الشعر المنثور».