تمرهذه الأيام الذكرى الـ399 على قيام القوات الإنكشارية بقتل السلطان عثمان الثاني، وأدى ذلك إلى عودة السلطان الأسبق مصطفى الأول إلى عرش الدولة العثمانية، والانكشارية قوات مشاة وفرسان من النخبة بالجيش العثمانى، وكان جيش الانكشارية جيش الدولة الرسمى حتى إلغائه فى عام 1826م على يد السلطان العثمانى محمود الثانى، وشكل الانكشارية الحرس الخاص للسلطان العثمانى.
وكان هذا الجيش يخضع لقوانين صارمة مثل العزوبية، ولكن تمّ تخفيف هذه القوانين فى أواخر القرن السادس عشر، وقد أصبح هذا الجيش قوة عسكرية عثمانية مهمة بعد إنشائه مباشرة، فقد كانوا جنود السلطان الأكثر ثقة، فضلاً عن انضباطهم ومهارتهم فى استخدام الأسلحة الصغيرة، وقد حصل الجيش على امتيازاتٍ وفوائد خاصة؛ بهدف تأمين ولائهم للحاكم وقد حظوا باحترامٍ كبيرٍ بسبب قوتهم العسكرية فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر.
وبحسب الباحث وليد فكرى، فأن "انكشارية" هى تعريب للاسم التركى "ينى جرى" أى "الجُند الجديد"، وهى فكرة تفتق عنها ذهن الوزير خليل باشا جندرلى فاقترحها على سيده السلطان مراد الأول الذى أعجبته فنفذها.
وتقول القصة الشائعة، إن السلطان أخذ باكورة هؤلاء الجند إلى أحد الشيوخ الصوفيين من الفرقة البكتاشية ليباركهم، فمسح رؤوسهم بكمه وقال للسلطان: "فليكن هذا ينى جري" أى فليكن اسمهم الجند الجديد، وتفسر هذه القصة أن الإنكشارى يرتدى على رأسه قلنسوة تتدلى من خفها قماشة كرمز لبركة كُم الشيخ، وكان يقال لهم أحياناً "البكتاشية" بسبب هذه الواقعة المزعومة.
وكان الأطفال المنتزعون من أسرهم يتم توزيعهم على العائلات الفلاحية التركية ليتعلموا اللغة والتقاليد، ثم يتم إدخالهم الثكنات - التى يقع أغلبها فى اسطنبول-وتصبح صفة الواحد منهم "ينى جى عجمى أوغلان" أى "الجندى الغلام العجمى المستجد" ويتلقون تدريبات قاسية تحت طائلة عقوبات تبدأ من الجلد حتى الإعدام مروراً بالحبس والإخصاء.. ولكنهم يتميزون بعد ذلك بتلقى رواتب عالية جداً وبحصانة من الملاحقة من القضاء المدني.. وهذا ما أدى مع الوقت - إضافة لعامل العُزلة والانتزاع من الأسرة - إلى تحولهم لقوة باطشة نالت من السلطة نفسها!
ساهم الجيش الانكشارى فى العديد من الانتصارات المهمة للدولة العثمانية، ومن بينها غزو القسطنطينية فى ربيع عام 1453، والمعركة التى وقعت فى مواجهة الصفويين فى جالديران عام 1514، وقد اتبع الجيش الانكشارى أسلوب الهجمات السريعة من إطلاق النار، وبالتالى كانوا يقدمون الضربة الحاسمة النهائية فى المواجهات، الأمر الذى جعل الأوروبيين يرون بأن الجيش الانكشارى هو السلاح السرى للدولة العثمانية، وهو قادر على استخدام الأسلحة النارية بشكلٍ فعال، وقد كان أعظم انتصارٍ لهم عندما استطاعوا هزيمة عشرات الفرسان باستخدام البنادق الدقيقة فى معركة موهاج عام 1526.
عندما أدرك الجيش الانكشارى أهميته، بدأ يرغب فى الحصول على حياةٍ أفضل، ممّا دفعهم لتنظيم ثورةٍ عام 1449، للمطالبة بأجورٍ أعلى، وتكرر ذلك عدّة مراتٍ فى القرون التالية، وقد تحول الجيش تدريجياً إلى قوةٍ فاسدةٍ بسبب جمعهم للثروة، وحصولهم على القوة والنفوذ، إلى أن قام محمود الثانى بحلّ هذا الجيش قسراً فى عام 1826 لكنهم لم يلتزموا.
وبالتالى خرجت قوات السلطان إلى ميدان الخيل باسطنبول وكانت تطل عليه ثكنات الإنكشارية، وتحتشد فيه الفيالق الإنكشارية المتمردة، ولم يمض وقت طويل حتى أحاط رجال المدفعية الميدان، وسلطوا مدافعهم على الإنكشارية من كل الجهات، فحصدتهم حصدًا، بعد أن عجزوا عن المقاومة، وسقط منهم ستة آلاف جندى إنكشارى.