دائمًا ما تكون وسائل المعرفة عدوًا للاستعمار، وللسياسات الفاشية، وفى النظر إلى التاريخ والتعمق فيه نجد أن الاحتلال وأنظمته كانت أول ما تفكر فى هو تدميرالمكتبات ودور العلم، أو وسائل العلم والثقافة والمعرفة، وكأنهم يقتلون الإنسان ويدمرون أو شىء يساعده على فهم هذا العالم.
والحقيقة أن التاريخ وكأنه يعيد نفسه فى الفترة الأخيرة، وكأن الديكتاتوريات والاستعماريات تتناسخ فى قمعها ضد الإنسان وضد المعرفة ولم تتغير طرقهم فى التعامل، وفى نظرتهم الدموية والتدميرية إلى هذا العالم.
ومؤخرًا، تعرضت مكتبة سمير منصور الفلسطينية للنشر والتوزيع، فى غزة، لدمار شامل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلى، ضمن اعتداءاته ضد الفلسطينيين، ضمن محاولتهم هدم البنية التحتية والطبية لقطاع غزة، لمجرد اعتراضهم على التوسع الاستيطانى فى الشيخ جراح، ونشرت صفحة المكتبة على حسابها الرسمى على موقع التواصل الاجتماعى "تويتر" مقطعا يوضح تدمير المكتبة إثر عمليات القصف التى تقوم بها طائرات قوات الاحتلال على قطاع غزة، علقت قائلة: "الاحتلال الإسرائيلى يدمر مصدر الثقافة وأكبر دار نشر فى قطاع غزة".
ما فعل الاحتلال الإسرائيلى ليس جديدا، فالتاريخ يقف شاهد على تدمير العديد من المكتبات والإساءة الإجرامية إلى التراث الإنسانى فى المعرفة والثقافة، ودائما ما كنت الأمثلة كثيرة، ومنها:
حريق مكتبة الإسكندرية
سطا الرومان على مصر فى نهاية القرن الأول قبل الميلاد، ولكن عندما رأى يوليوس قيصر أنه وقع فى مطب بعيدًا عن روما بقواته المحدودة، قرر أن يدمر الأسطول المعادى الموجود فى الميناء، وهو أسطول تلقى المدد من خمسين باخرة أخرى وصلت على عجل لمساعدة أعدائه، وقد اشتعل الحريق الكبير حتى انتشر إلى أبعد مكان، وانتقلت النيران بسرعة البرق فوق السطوح والجدران، وعلى هذا النحو تم تدمير مكتبة الإسكندرية الكبرى عام 48م.
تدمير مكتبة بغداد
أثناء الغزو المغولى للشرق عام 1258م، لم تكن الجرائم مكتفية بالقتل والإبادة وسفك الدماء فقط، ولم يكن التدمير يشمل المدن والمبانى فقط، حتى الكتاب ووسائل العلم هى الأخرى تعرضت للإبادة والحرق من المغول، حيث قام أبناء جنكيز خان بتدمير وإحراق مكتبة بغداد، وهى أعظم مكتبة على وجه الأرض فى ذلك الزمن.. وهى الدار التى كانت تحوى عصارة فكر المسلمين، وتم تدمير آلاف الكتب العلمية، بالإضافة إلى ملايين الأبيات من الشعر، وعشرات الآلاف من القصص والنثر، فضلا الترجمات المختلفة لكل العلوم.
تدمير مكتبات الأندلس
أثناء سقوط قرطبة فى يد الفرنجة فى الأندلس سنة 636 هـ (قبل سقوط بغداد بعشرين سنة فقط!!) قاموا بحرق مكتبة قرطبة تماماً، وقام بذلك أحد قساوسة النصارى بنفسه، وكان اسمه "كمبيس"، وحرق كل ما وقعت عليه يده من كتب بذلت فيها آلاف الأعمار وآلاف الأوقات، وأنفق فى سبيل كتابتها الكثير من المال والعرق والجهد، وفعلوها مرة ثانية فى الأندلس فى مكتبة غرناطة عند سقوطها، فأحرقوا مليون كتاب فى أحد الميادين العامة.
حريق مكتبة الكونجرس الأمريكي
على الرغم من ادعاء الولايات المتحدة الأمريكية أنها لم تتعرض لاعتداء على أراضيها قبل 11 من سبتمبر 2011، فإن التاريخ يخبرنا أن ذلك غير صحيح، ففى عام 1800م أنشا الكونغرس الأمريكى مكتبته بعد أن حصلت على أول دفعة كتب من لندن تمثلت بـ740 عنوانًا، وفى 24 أغسطس 1814، أضرم جيش الغزو البريطانى النار فى الكونجرس والثلاثة آلاف كتاب التى كانت تحتويها المكتبة آنذاك.
حريق المكتبة الفرنسية
اندلعت الحرب الفرنسية البروسية فى أغسطس 1870م، وأُجبرت مدينة ستراسبورغ الفرنسية على الاستسلام بعد سقوط 193 ألف قنبلة بروسية عليها، ولكن كانت المكتبة الفرنسية قد احترقت وبداخلها 400 ألف كتاب.