تمر اليوم الذكرى الـ158 على نجاح الخديوى إسماعيل فى الحصول على أمر من السلطان العثمانى عبد العزيز الأول، عرف باسم "فرمان مصر" يقضى بانتقال ولاية مصر من الأب إلى الابن الأكبر، وهو ما مهد الطريق لمحمد توفيق باشا ابن الخديوى إسماعيل لتولى الحكم فى مصر.
نص الفرمان على تغيير نظام الوراثة ليكون فى أكبر أنجال إسماعيل باشا بدلاً من أكبر الذكور فى أسرة محمد على، وزيادة عدد الجيش المصرى من 18 ألفاً إلى 30 ألف جندى، وإقرار حق مصر فى ضرب النقود، ومنح الرتب المدنية لغاية الرتبة الثانية، وقد بقى هذا الفرمان مرعيًا فى مصر كدستور حتى نهاية عام 1914 حين أعلنت الحماية البريطاني.
وترتب على قرار إعلان الحماية اسم الدولة إلى السلطنة المصرية، وتعتبر تاريخيا جزءا من الاحتلال البريطانى لمصر، وتنازل عباس حلمى الثانى عن أى دعاوى أو حقوق فى العرش نظيره، ويتولى الحكم عنه السلطان حسين كامل ابن الخديوى إسماعيل، وكانت تلك الخطوة قد أنهت السيادة الاسمية للعثمانيين على مصر، ويلاحظ أن لقب "سلطان" هو نفس اللقب لرأس الدولة العثمانية.
ووفق ما ذكره المؤرخ عبد الرحمن الرافعى فى كتابه "عصر إسماعيل ج1"، عن علاقة إسماعيل بالدولة العثمانية وتعامله معها، فإن الخديوى جعل نصب عينيه منذ توليه الحكم، تحرير مصر من السيادة التركية التى فرضتها عليها معاهدة عام 1840، وفرمانات عام 1841م، ويؤخذ على ذلك الفرمان الذى سعى إسماعيل على استصداره أن طريقة توارث العرش ليست مسألة جوهرية تهم البلاد أو تعود بالنفع عليها، أو تمنحها مزايا استقلالية عن الدولة العثمانية، بالإضافة إلى أنها كلفت خزينة البلاد تضحية مالية كبيرة حيث اشترطت تركيا مقابل هذا التغيير زيادة الجزية السنوية من 400 ألف جنيه عثمانى إلى 750 ألف جنيه، أى ما يقارب الضعف وهى زيادة فادحة تحملتها مصر.
وأوضح الرافعى فى كتابه "عصر إسماعيل"، أن الباعث لإسماعيل على الإقدام على ذلك التغيير هو ما كان بينه وبين أخيه من أبيه "مصطفى فاضل"، وعمه "عبد الحليم" من الشقاق والشحناء ولم يكن إسماعيل يخفى كرهه لهما، وهو الشعور الذى بادله الأميران تجاه إسماعيل، ومن أجل ذلك سعى فى حرمانهما من وراثة العرش وجعلها فى ذريته من صلبه.
لكن يبدو أن توفيق الذى عرف بتوتر علاقته مع والده، رد الصاغ صاغين للخديوى إسماعيل، حيث يذكر عدد من المؤرخين أن علاقة الابن بأبيه، كانت متوترة منذ البداية، كونه أكبر أبنائه، ورأى كيف تعامل والده مع أمه، بجانب تعدد زوجاته، فتأثر الابن من معاملة والده.
بحسب كتاب "أحمد عرابى: الزعيم المفترى عليه" للكاتب محمود الخفيف، إن فى نهاية فترة حكم إسماعيل كان توفيق يتظاهر بالتعاطف مع الحركة الوطنية، ثم جاء عزل إسماعيل بضغوط الدول على السلطان بعد أن خشيت من تقربه للحركة الوطنية، ويصف لنا الدكتور محمد حسين هيكل، كيف تلقى توفيق خبر عزل أبوه اوانتقال عرش مصر إليه، فيقول: أن توفيق باشا فوجئ بالخبر وفزع له حتى لقد قابل موظف قصره الذى أبلغه أسوأ مقابله بأن صفعه، وذلك لأنه شعر من ذلك الحين بأن التركة التى ألت إليه أعباؤها هى تركة مخوفة.