مات سيدنا عمر بن الخطاب وترك الأمر بين 6 من خيرة المسلمين، وكان لابد من اختيار أحدهم، فما الذى يقوله التراث الإسلامى.
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ثم استهلت سنة أربع وعشرين"
ففى أول يوم منها، دفن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وذلك يوم الأحد فى قول، وبعد ثلاث أيام بويع أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه.
كان عمر رضى الله عنه قد جعل الأمر بعده شورى بين ستة نفر، وهم: عثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبى وقاص، وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهم، وتحرج أن يجعلها لواحد من هؤلاء على التعيين.
وقال: لا أتحمل أمرهم حيا وميتا، وإن يرد الله بكم خيرا يجمعكم على خير هؤلاء، كما جمعكم على خيركم بعد نبيكم ﷺ.
ومن تمام ورعة لم يذكر فى الشورى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل لأنه ابن عمه، خشى أن يراعى فيولى لكونه ابن عمه، فلذلك تركه.
وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، بل جاء فى رواية المدائنى عن شيوخه: أنه استثناه من بينهم، وقال: لست مدخله فيهم.
وقال لأهل الشورى: يحضركم عبد الله - يعني: ابنه - وليس إليه من الأمر شيء - يعني: بل يحضر الشورى ويشير بالنصح ولا يولى شيئا - وأوصى أن يصلى بالناس صهيب بن سنان الرومى ثلاثة أيام حتى تنقضى الشورى، وأن يجتمع أهل الشورى ويوكل بهم أناس حتى ينبرم الأمر، ووكل بهم خمسين رجلا من المسلمين، وجعل عليهم مستحثا أبا طلحة الأنصاري، والمقداد بن الأسود الكندي.
وقد قال عمر بن الخطاب: ما أظن الناس يعدلون بعثمان وعلى أحدا، إنهما كانا يكتبان الوحى بين يدى رسول الله ﷺ بما ينزل به جبريل عليه.
قالوا: فلما مات عمر رضى الله عنه، وأحضرت جنازته تبادر إليها على وعثمان أيهما يصلى عليه، فقال لهما عبد الرحمن بن عوف: لستما من هذا فى شيء، إنما هذا إلى صهيب الذى أمره عمر أن يصلى بالناس.
فتقدم صهيب وصلى عليه، ونزل فى قبره مع ابنه عبد الله أهل الشورى سوى طلحة فإنه كان غائبا، فلما فرغ من شأن عمر جمعهم المقداد بن الأسود فى بيت المسور بن مخرمة.
وقيل: فى حجرة عائشة.
وقيل: فى بيت المال.
وقيل: فى بيت فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس، والأول أشبه والله أعلم.
والمقصود: أن القوم خلصوا من الناس فى بيت يتشاورون فى أمرهم فكثر القول وعلت الأصوات، وقال أبو طلحة: إنى كنت أظن أن تدافعوها ولم أكن أظن أن تنافسوها، ثم صار الأمر بعد حضور طلحة إلى أن فوض ثلاثة منهم مالهم فى ذلك إلى ثلاثة، ففوض الزبير ما يستحقه من الإمارة إلى علي، وفوض سعد ماله فى ذلك إلى عبد الرحمن بن عوف، وترك طلحة حقه إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه.
فقال عبد الرحمن لعلى وعثمان: أيكما يبرأ من هذا الأمر فنفوض الأمر إليه والله عليه والإسلام ليولين أفضل الرجلين الباقيين.
فأسكت الشيخان على وعثمان، فقال عبد الرحمن: إنى أترك حقى من ذلك والله على الإسلام أن أجتهد فأولى أولاكما بالحق، فقالا: نعم!.
ثم خاطب كل واحد منهما بما فيه من الفضل، وأخذ عليه العهد والميثاق لئن ولاه ليعدلن ولئن ولى عليه ليسمعن وليطيعن.
فقال كل منهما: نعم!. ثم تفرقوا.
ويروى: أن أهل الشورى جعلوا الأمر إلى عبد الرحمن ليجتهد للمسلمين فى أفضلهم ليوليه، فيذكر أنه سأل من يمكنه سؤاله من أهل الشورى وغيرهم فلا يشير إلا بعثمان بن عفان، حتى أنه قال لعلي: أرأيت إن لم أولك بمن تشير به عليَّ؟.
قال: بعثمان.
وقال لعثمان: أرأيت إن لم أولك بمن تشير به؟.
قال: بعلى بن أبى طالب.
والظاهر: أن هذا كان قبل أن ينحصر الأمر فى ثلاثة، وينخلع عبد الرحمن منها ينظر الأفضل، والله عليه والإسلام ليجتهدن فى أفضل الرجلين فيوليه.
ثم نهض عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه يستشير الناس فيهما، ويجمع رأى المسلمين برأى رؤوس الناس وأقيادهم جميعا وأشتاتا مثنى وفرادى ومجتمعين، سرا وجهرا، حتى خلص إلى النساء المخدرات فى حجابهن، وحتى سأل الولدان فى المكاتب.
وحتى سأل من يرد بمن الركبان والأعراب إلى المدينة فى مدة ثلاثة أيام بلياليها، فلم يجد اثنين يختلفان فى تقدم عثمان بن عفان إلا ما ينقل عن عمار والمقداد أنهما أشارا بعلى بن أبى طالب، ثم بايعا مع الناس على ما سنذكره.
فسعى فى ذلك عبد الرحمن ثلاثة أيام بلياليها لا يغتمض بكثير نوم إلا صلاة ودعاء واستخارةً، وسؤالا من ذوى الرأى عنهم، فلم يجدا أحدا يعدل بعثمان بن عفان رضى الله عنه، فلما كانت الليلة يسفر صباحها عن اليوم الرابع من موت عمر بن الخطاب، جاء إلى منزل ابن أخته المسور بن مخرمة فقال: أنائم يا مسور، والله لم أغتمض بكثير نوم منذ ثلاث اذهب فادع إلى عليا وعثمان.
قال المسور: فقلت: بأيهما أبدأ؟
فقال: بأيهما شئت.
قال: فذهبت إلى على فقلت: أجب خالي، فقال: أمرك أن تدعو معى أحدا؟
قلت: نعم!.
قال: من؟
قلت: عثمان بن عفان.
قال: بأينا بدأ؟
قلت: لم يأمرنى بذلك، بل قال: ادع لى أيهما شئت أولا، فجئت إليك، قال: فخرج معى فلما مررنا بدار عثمان بن عفان جلس على حتى دخلت فوجدته يوتر مع الفجر، فقال لى كما قال لى على سواء، ثم خرج فدخلت بهما على خالى وهو قائم يصلي، فلما انصرف أقبل على على وعثمان، فقال: إنى قد سألت الناس عنكما، فلم أجد أحدا يعدل بكما أحدا، ثم أخذ العهد على كل منهما أيضا لئن ولاه ليعدلن، ولئن ولى عليه ليسمعن وليطيعن، ثم خرج بهما إلى المسجد وقد لبس عبد الرحمن العمامة التى عمه رسول الله ﷺ، وتقلد سيفا، وبعث إلى وجوه الناس من المهاجرين والأنصار، ونودى فى الناس عامة الصلاة جامعة، فامتلأ المسجد حتى غص بالناس، وتراص الناس وتراصوا حتى لم يبق لعثمان موضع يجلس إلا فى أخريات الناس - وكان رجلا حييا رضى الله عنه -.
ثم صعد عبد الرحمن بن عوف منبر رسول الله ﷺ فوقف وقوفا طويلا، ودعا دعاءً طويلا لم يسمعه الناس ثم تكلم فقال: أيها الناس، إنى سألتكم سرا وجهرا بأمانيكم، فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين، إما على وأما عثمان، فقم إلى يا على فقام إليه فوقف تحت المنبر، فأخذ عبد الرحمن بيده، فقال: هل أنت مبايعى على كتاب الله وسنة نبيه ﷺ وفعل أبى بكر وعمر؟
قال: اللهم لا ولكن على جهدى من ذلك وطاقتى، قال: فأرسل يده، وقال: قم إلى يا عثمان، فأخذ بيده فقال: هل أنت مبايعى على كتاب الله وسنة نبيه ﷺ وفعل أبى بكر وعمر؟
قال: اللهم نعم!
قال: فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده فى يد عثمان فقال: اللهم اسمع واشهد، اللهم اسمع واشهد، اللهم اسمع واشهد، اللهم إنى قد خلعت ما فى رقبتى من ذلك فى رقبة عثمان.