رحل أمس، الشاعر العراقى الكبير سعدى يوسف، عن عمر يناهز 87 عاما (1934- 2021)، ويعد من أبرز الشعراء العرب فى النصف الثانى من القرن العشرين، ونعيد نشر قصيدته "رباعية" وكانت قد نشرتها مجلة "إبداع" التى يرأس تحريرها الشاعر إبراهيم داود، وذلك فى عدد فبراير من عام 2021.
(1)
أنتَ فى النهرِ ...
أبناءُ خالتِكَ استقدموا زورقاً، ليبيعوا بيوتَ الضفافِ، العِنَبْ .
إنّ تلكَ الـمُـسَنّاةَ كانت لهم . أنت تذكرُ فى عطلةِ الصيفِ، أنكَ
تقفزُ منها إلى القاعِ، كى تتلامسَ فى لحظةٍ، بالسلاحفِ.
أبناءُ خالتِكَ، الآنَ، فى عتْمةِ الليلِ، يأتونَ فى زورقٍ ... إن أبناءَ
خالتِكَ، الآنَ، عندكَ، فى قريةٍ بالشمالِ الغريبِ، الشمالِ الشماليّ
حيثُ يُجاورُكَ الإنجليز .
(2)
أنتَ فى البحرِ ...
واللاذقيّةُ تنأى، بأشجارِها، والمقاهى الأليفةِ، والفتَياتِ الأميراتِ،
أنتَ الـمُـوَكَّلُ بالبَرِّ تذرعُهُ، صرتَ فى شِرْعةِ البحرِ . هل كانت الأرضُ
أرحمَ ؟ فى اللحظةِ الصِّفْرِ هذى، تناءَيتَ عمّا يشدُّكَ بالنخلِ والمنزلِ
الأوّلِ . الآنَ ... كلُّ الخرائطِ مفتوحةٌ، وهى مقروءةٌ فى يدَيكَ ...
إذاً، قُلْ وداعاً لها، قُلْ وداعاً لطرطوسَ واللاذقيّةِ ؛
ولْتنطلِقْ فى العراءْ .
(3)
أنتَ فى السهلِ ...
وهرانُ تنأى عن البحرِ، ناعمةً، ومُنَعّمَةً بالكرومِ، الحقولُ الكريمةُ
تلكَ التى منحتْنا النبيذَ ومائدةَ الأهلِ، تمتدُّ حتى تُجاوِرَ ما كانَ
صحراءَ، بين الجزائرِ والمغربِ . الآنَ تذكرُ أنك أمضَيتَ فى السهلِ
سَبْعاً، وأنك فتّحتَ للروحِ نبعاً . ستذكرُ تلكَ الأغانى التى كنتَ
تسمعُ فى حانةٍ لقدامى الجنودِ من الفرقةِ الأجنبيّةِ . وهرانُ كانت
لكَ البيتَ، حيثُ امتلكتَ بها الصوتَ، حيثُ افترعتَ الحياةَ
وحيثُ ابنتاكَ الرياحينُ، شيرازُ، مريمُ، قد جاءتا !
(4)
أنتَ فى التلِّ ...
فى مُرتقى التلِّ، فى قمّةِ التلِّ . قيلَ : الوقوفُ على التلِّ مَثْلَبةٌ ...
ربّما فى السياسةِ، وهى المَثالبُ فى القاعِ أو فى اليَفاعِ .
ولكننى أتحدّثُ عن سيّدٍ اسمُهُ سعدى يوسف، إذ يرتقى التلَّ.
يمضى مع العَصَوَينِ، ويقطعُ شارعَهُ نحوَ ممشى الكنيسةِ، حيثُ
الـمَـراقى إلى التلِّ ...
يصعدُ سعدى، ويصعدُ . فى بغتةٍ سوفَ يبْلغُ قمّتَهُ :
الآنَ، تبدو سطوحُ المنازلِ، والقريةُ المطمئنّةُ . والآنَ يعرفُ
أنّ الـمَراقى تليقُ،
وأنّ الذى لم يحاولْ بُلوغَ الـمَراقى سيلفظُ أنفاسَهُ فى المضيقْ !