كانت مصر منذ القدم، ولا تزال إلى يومنا هذا، عروس الشرق، لؤلوة العالم المتوسط، ولذا كانت دائمًا مطمح أنظار الدول التى يقوى شأنها في هذه الدنيا، لذا كان من الطبيعى أن تفكر دولة عظمى مثل فرنسا فى احتلال البلاد، وتمر اليوم الذكرى الـ 226 على القنصل الفرنسى فى القاهرة يقترح على بلاده احتلال مصر عسكريًا للمحافظة على المصالح الفرنسية، وذلك فى 17 يونيو 1795 والتى انطلقت بالفعل فى عام 1798.
وبحسب كتاب " نابوليون بونابارت فى مصر" تأليف أحمد حافظ رجب، فأن الفيلسوف الألمانى "ليبنتز" أحد وزراء لويس الرابع عش، كان أول من فكر فى ذلك، إذ كان لويس الرابع عشر فى سنة 1672 يحارب بلاد الفلمنك «هولانده» التي كان لها فى ذلك العصر نفوذ كبير، ومستعمرات ومتاجر واسعة فى الشرق والغرب — تلك المستعمرات التى من بقاياها الآن صومترا وجلوه الإسلاميتان — فكتب ذلك الرجل الكبير إلى لويس الرابع عشر يقول: "إذا كان مولاى يريد القضاء على جمهورية هولندا فأحسن وسيلة لذلك هى ضرب هذه الأمة فى مصر هناك حيث يوجد طريق الهند، وحيث يمكن تحويل التجارة الهولندية إلى طريق مصر".
ثم لما قويت سلطة روسيا، وامتد رواق فتوحاتها على المماليك العثمانية، في أواخر القرن الثامن عشر، أي: في الوقت الذي حاول علي بك الكبير الاستقلال بملك مصر، خافت فرنسا من استيلاء الروسيا على الآستانة، وتمزيق شمل الدولة العثمانية، فارتأت حكومة لويس السادس عشر، قبل الثورة الفرنسية، ببضع سنوات، أن تحتل مصر غنيمة لها من ميراث الدولة العثمانية، وفي هذا الصدد قال مسيو ده سارتين وزير البحرية إذ ذاك، في مجلس الوزراء:
إن احتلال مصر هو الطريقة الوحيدة لحفظ تجارتنا في البحر الأبيض، ومتى توطدت قدمنا في مصر صرنا أصحاب السيادة على البحر الأحمر، وصرنا نستطيع أن نهاجم إنكلترا في الهند، أو ننشئ في تلك الأصقاع متاجر ننافس بها الإنجليزي … إلخ.
ووافق هذا الرأى حكومة لويس السادس عشر فأوفدت في سنة 1777 لمصر البارون ده توت بدعوى أنه قادم لعمل مباحث فلكية وعلمية «لأكاديمي العلوم»، ولكنه كان مكلفًا بعمل خرائط لشواطئ مصر وسوريا وجزر اليونان وجزيرة كريد أيضًا، وكلف بنوع خاص أن يدرس النقطة الواقعة من ساحل مصر، بين الإسكندرية وأبي قير، ومعرفة أي نقطة تصلح لإنزال الجنود إلى البر، وكان معه ضابط من البحرية لقياس عمق النقط المجاورة للساحل ليعرف ما يصلح منها لسير السفن، وكلف "سوتيني" الذي سبق ذكره، أو آخر بالسفر إلى السويس لمثل تلك المباحث ولرسم خريطة عن مدينة القاهرة في أثناء مروره بها، وقد فعل ذلك كله في الوقت الذي كان فيه مراد بك وإبراهيم بك يتطاحنان مع إسماعيل بك، أحد مماليك علي بك الكبير، الذي وليّ مشيخة البلد!
قال المؤرخون الفرنسيون: ومرت بضع سنوات لم توطد فيها حكومة لويس السادس عشر العزيمة على تنفيذ ما صممت عليه، حتى كانت سنة 1781 كتب الكونت ده سان بريست سفير فرنسا في الآستانة يستحث حكومته على فتح مصر.