تمر اليوم الذكرى الـ1365، على رحيل خليفة المسلمينعثمان بن عفان، ثالث الخلفاء الراشدين، والذى رحل فى يوم الجمعة الموافق 18 من شهر ذى الحجة سنة 35 هـ، إلا أن هناك اختلاف فيما يخص تاريخ وفاته بالتقويم الميلادى، فهناك احتمالان بأنه قتل فى 17 يونيو عام 656م، أو فى 17 يوليو من العام نفسه، وبعيدًا عن ذلك لماذا كان مقتل عثمان أصعب على المسلمين من مقتل عمر بن الخطاب؟.
يقول المفكر عباس محمود العقاد فى كتابه "عبقرية عثمان"، فى سيرة عثمان ـ رضى الله عنه ـ صدمة عنيفة تواجه كل باحث فى تاريخ صدر الإسلام، وتلك هى قتلته البشعة وهو شيخ وقور جاوز الثمانين.
لم يكن عثمان أول خليفة قتل فإن الفاروق عمر بن الخطاب قتل قبله غدرًا وهو يقيم الصلاة، لكن مقتل عمر لم يكن صدمة فى تاريخ العقدية، قتله غلام دخيل على الإسلام ومن ورائه عصابة تدين بغير دينه، وتكره منه ما عمله لإقامة ذلك الدين، فلا غرابة ولا صدمة، ولا شىء فيه غير الفاجعة، التى تفجع نفوس المسلمين.
أما تلك القتلة البشعة التى أنهت بها حياة الخليفة الثالث فشىء غير هذا، وشىء بعيد عن هذا فى صدمته المفاجئة لم يتابع تاريخ العقيدة الإسلامية فى أطوارها الأولى، لم يمض جيل على الإسلام ويقتل خليفة المسلمين هذه القتله؟ فماذا صنعت هذه العقيدة إذا بنفوس الحاكمين والمحكومين؟، وماذا تغير من فتك الجاهلية بعد جهاد المؤمنين وإيمان الكافرين؟ والسؤال صدمة عنيفة، لكنه قائم على خطأ جسيم، وإن يكن خطأ قريب التصحيح.
فالعقيدة لا تبطل الخلاف والنزاع، ولا تختم الوقائع والأحداث فى التاريخ، ولم يحدث قط فى دعوة إصلاح فى الدين أو غير الدين أنها قسمت التاريخ إلى عهدين: عهد سابق كان فيه نزاع وكانت فيه أحداث، وعهد لاحق يبطل فيه النزاع وتنقضي فيه الأحداث.
لم يحدث هذا قط ولا يحسن أن يحدث، فأنه لو حدث لكانت العقيدة المصلحة شللا معطلا لحياة الأمم، معوقا للتاريخ فى مجراه المطرد إلى غير قرار، أن العقيدة لا تلغى الحوادث والخصومات، ولكنها تجدد القيم التى تدور عليها الحوادث والخصومات.
فإذا تركنا الحوادث جانبا ونظرنا إلى التاريخ في صدر الإسلام على أنه تاريخ قيم ومبادئ، فلنا أن نقول أننا امام فواجع مؤلمة، يود الناظر إليها لو يقبض بصره عنها، وليس لنا أن نقول أننا أمام صدمة يصطدم هناك إذا نحن وزنا الحوادث بميزان القيم، وعلمنا أن التاريخ لن يخلو من الحوادث، وان حوادث الخلاف ليست بأكبر الشرور التي تبتلى بها ضمائر بنى الإنسان.