مثل القرن العشرين ذروة العطاء الفلسفى، إذ أفرزت أحداثه المتناقضة العديد من المدارس الفلسفية التى سعت كل منها لوضع حلولٍ فلسفية لمشكلاته، فحاولت من خلال رؤيتها وضع تصور لكيفية الخروج من المأزق التاريخى، ومن الكتب التى ناقشت التطور الفلسفى خلال القرن العشرين كتاب "الحصاد الفلسفى للقرن العشرين: وبحوث فلسفية أخرى" تأليف عطيات أبو السعود.
منذ بداية تاريخ الفلسفة أمام فكر يفترض جوهرًا ثابتًا للأشياء، بحيث إن كل "ما يطرأ عليها من تغيرات ظاهرة، فهى أعراض لذلك الجوهر أى إن الخلفية الثقافية والفكرية كانت دائمًا وعلى امتداد التاريخ تفترض للأشياء طبائع ثابتة، تغمرها موجات الظواهر المتغيرة، ثم تنحسر لتجيء سواها، فإذا استطعنا أن نعرف هذه الحقائق الثابتة بما يحددها ويعين قوانينها كنا بذلك قد أمسكنا بناصية الطبيعة كلها".
واستمر الحال كذلك مع أعلام الفكر الفلسفى الحديث بدءًا من ديكارت (1595–1650م) الذى أطلق عبارته الشهيرة "إن العقل هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس"، وأقام مذهبه العقلى على أساس أن الحقيقة قائمة فى العقل ولا وجود لها خارج الفكر، وأن الوضوح والتميز هما معيار هذا الفكر، إلى جون لوك (1632–1704م) - وهو الفيلسوف التجريبى - الذى أقر أيضًا بطبيعة ثابتة للعقل، وجعل منه صفحاء بيضاء تنقش التجربة عليها حروفها الأولى، ثم جاء فيكو (1668–1744م)، وعارض بفلسفته التاريخية النزعة العقلية الديكارتية، وتحولت الذات العاقلة إلى ذات تاريخية، أى إلى ذات عاقلة ومعقولة فى آن واحد.
قد قام كانط (1724–1804م) بتحليل العقل نفسه، ورسم صورة جديدة لطبيعة العقل الذى يقوم بنقد ذاته بذاته، ووضع "الشروط القبلية" التى تجعل التجربة ممكنة، ومع تطور الدراسات الاجتماعية التى شهدت طفرة هائلة فى غضون القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ذهب عالم الاجتماع ماكس فيبر (1864–1920م) — وهو أحد منظرى العقلانية الحديثة — إلى أن التقدم التقنى قد أفرز نوعًا من العقلانية العلمية التى لها منهجها ووسائله.
ويؤكد ماكس هوركهيمر (1895–1973م) فى كتابه «نقد العقل الأداتي» - ما سبق أن أكده بالاشتراك مع صديقه أدورنو فى جدل التنوير — أى هجومه على المعرفة التصورية، ومن هنا تأتى أهمية الدور الذى يلعبه هابرماس (1929م) أبرز أعضاء الجيل الثانى لمدرسة فرانكفورت لكى تتجنب النظرية النقدية أخطاء الفلسفة الترانسندنتالية الكانطية والجدل الشمولى الهيجلي، على الرغم من اعترافه بأهميتهما.