تمر، اليوم الذكرى الـ1050، على افتتاح الجامع الأزهر للصلاة، وهو الجامع الذى بدأ جوهر الصقلى بنائه فى 4 أبريل 970، حيث أتم بناءه أتم سنة 969م، وشرع فى تأسيس القاهرة وقام بإنشاء القصر الكبير وأعده لنزول الخليفة المعز لدين الله.
وبحسب كتاب المؤرخ المقريزى "اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا" أنه لما عزم المعز لدين الله على الاستيلاء على مصر، وكان قد استعد لذلك لم يجد خيرًا من قائده المحنك جوهر الصقلى ليقوم بهذه المهمة، وجعل تحت قيادته مائة ألف أو ما يزيد من الجنود والفرسان، بالإضافة إلى السفن البحرية. وخرج المعز لدين الله الفاطمى فى وداع جيشه الكبير فى (14 من ربيع الأول 358هـ= 4 من فبراير 969م) فبلغ برقة بليبيا.
استأنف الجيش المسير حتى وصل إلى الإسكندرية؛ فدخلها دون مقاومة، ومنع جوهر الصقلى جنوده من التعرض لأهلها، وأمرهم بالتزام الهدوء والنظام، مستهدفًا من ذلك التقرب من المصريين والتودد إليهم، وكانت مصر فى هذه الفترة تمر بمرحلة عصيبة، فالأزمة الاقتصادية تعصف بها، والخلافة العباسية التى تتبعها عاجزة عن حمايتها بعد أن أصبحت بغداد أسيرة لنفوذ البويهيين الشيعة، ودعاة الفاطميين يبثون دعوتهم فى مصر ويبشرون أتباعهم بقدوم سادتهم، وجاءت وفاة كافور الإخشيد سنة (357هـ= 968م) -وكانت بيده مقاليد مصر- لتزيل آخر عقبة فى طريق الفاطميين إلى غايتهم المأمولة.
ولما علم أهل الفسطاط بقدوم الفاطميين اختاروا واحدًا من كبار العلويين بمصر هو "أبو جعفر مسلم" على رأس وفد، ليفاوض القائد الفاتح ويطلب الصلح والأمان، فالتقى الوفد به عند قرية "أتروحة" على مقربة من الإسكندرية فى (18 من رجب 358هـ= 18 من يونيو 969م) فأجاب جوهر طلب الوفد، وكتب عهدًا تعهد فيه بأن يطلق للمصريين حرية العقيدة على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، وأن ينشر العدل والطمأنينة فى النفوس، وأن يقوم بما تحتاجه البلاد من ضروب الإصلاح.
وما كاد يستقر الأمر لجوهر الصقلى حتى بدأ فى إنشاء عاصمة جديدة لدولته الفتية، ووضع أساسًا لها فى الشمال الشرقى للفسطاط، فبنى سورًا خارجيًا من الطوب اللبن يحيط بمساحة تبلع 340 فدانًا، جعل سبعين منها للقصر الكبير مقر الحكم والسلطان، وخمسة وثلاثين فدانًا للبستان، ومثلها للميادين، وتوزعت المساحة المتبقية -وقدرها مائتا فدان- على القبائل الشيعية والفرقة العسكرية، حيث اختارت كل منها مكانًا خاصًا بها عرفت به مثل زويلة، وكان ذلك نواة لعاصمة الدولة الفاطمية فى المشرق، التى سميت فى بادئ الأمر بالمنصورية، ثم عرفت بعد ذلك بالقاهرة.
ثم شرع الصقلى فى نشر المذهب الشيعى فى مصر، فألغى الخطبة للخليفة العباسي، وألغى لباس السواد شعار العباسيين، وزاد فى الأذان عبارة "حى على خير العمل"، وأمر بالجهر بالبسملة فى قراءة القرآن فى الصلاة، وزيادة القنوت فى الركعة الثانية من صلاة الجمعة، وأن يقال فى خطبة الجمعة: "اللهم صل على محمد المصطفى، وعلى على المرتضى، وفاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطى الرسول، الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا"، وكان هذا إيذانا بترك المذهب السنى فى مصر. وتأكيدًا لهذا قام جوهر بإنشاء الجامع الأزهر الذى بدأ العمل فيه فى (24 من جمادى الأولى 359هـ= 4 من إبريل 970م).