عاشت هدى شعراوى فى الفترة بين عامى (1879 – 1947) وقد صارت واحدة من سيدات مصر المشهورات، لكن ما الذى نعرفه عن طفولتها؟ ماذا قالت عن والدها فى مذكراتها؟.
تقول هدى شعراوى فى مذكراتها "كان الأهل يخفون عن الأطفال كل الحوادث والأحداث المحيطة بهم، فإذا مات أحد أفراد الأسرة، قيل للطفل: إنه قد سافر، وإذا أراد أن يسأل عن حقيقة من حقائق الحياة، أجابوه بخرافات لا تروى ظمأه لمعرفة الحقيقة، أو قيل له: إنه ليس من الأدب أن يتدخل فيما لا يعنيه.
ولقد كنت واحدة من هؤلاء الأطفال، وكان يُعنَى بنا خدم جهلاء يخفون عنا ما كان يجب أن نعرفه من حقائق، ويحيطوننا بسياج من الخرافات التى تؤثر فى العقول الصغيرة الساذجة.
ولأننى كنت قليلة الالتصاق بوالدي، فإننى لا أذكر من حياتنا العائلية فى طفولتى إلا القليل، ومن ذلك أننى كنت أذهب إلى غرفة والدى كل صباح لأقبل يده، وكان يصحبنى فى هذه الرحلة الصباحية أخ لى من أم ثانية اسمه "إسماعيل"، وكنا نجد أبى متربعًا على سجادة الصلاة يسبح بمسبحته، فنقبل يده ويقبلنا، ثم ينهض ويفتح خزانة كتبه ويخرج لكل واحد منا قطعة من الشيكولاته، فنأخذها ونخرج متهللين.
ثم جاء ذلك اليوم الذى لا يمكن أن أنساه أبدًا … كنت ألعب مع شقيقى "عمر" عندما تناهى إلينا فجأة صراخ عال يملأ أرجاء البيت وملأ الخوف قلبي، وتعلقت أنا وأخى بمربيتنا، وفى ذلك الوقت أقبلت مرضعتى مهرولة، وهى تتشح بالسواد، وتصيح قائلة: لقد تحقق خبر الباشا … فأعطنى يا "سياج" الطفلين لأذهب بهما إلى منزل مسعود باشا … حتى لا يزعجهما الصراخ والعويل.
إن هذه الجملة لا تزال ترن فى أذنى حتى اليوم، ولا تزال تحدث صداها فى أعماقى … ولا تزال حرارتها فى قلبى ونفسى …
كنت فى الخامسة من عمرى عندما وقع هذا الحدث الجسيم، فقد توفى والدى المرحوم محمد سلطان باشا يوم 14 أغسطس 1884 فى مدينة جراتس بالنمسا، كان قد سافر إلى سويسرا للاستشفاء، ثم ذهب إلى جراتس بعد ذلك، وكان يعانى من صدمتين عنيفتين أثرتا فى حالته الصحية إلى حد بعيد؛ لدرجة أن الأطباء لم يجدوا دواء لدائه إلا أن يسافر بحثًا عن العلاج، وكانت الصدمة الأولى هى وفاة أخى إسماعيل الذى كان يعقد عليه أبى كل آماله فى المستقبل، فقد كان ذكيًّا يبدو أكبر من عمره فى كل شيء، فى الوقت الذى كان فيه شقيقى "عمر" ضعيف البنية والأمل فى حياته ضئيل جدًّا … أما الصدمة الثانية فكانت تلك المأساة التى أودت باستقلال البلاد إثر الحوادث العرابية، وما ظهر من سوء نية الإنجليز بعد دخولهم مصر؛ حيث بدا واضحًا أنهم لن يفكروا فى الجلاء عنها.