نشاهد، اليوم، صورة للثائر العظيم عبد الله النديم، أحد أبطال الثورة العرابية (1842- 1896) واسمه عبد الله بن مصباح بن إبراهيم الإدريسى وقد ولد فى الإسكندرية فى أسرة متوسطة الحال، وقد لمح أبوه علامات نبوغه فألحقه بمسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية ليتلقى العلوم الدينية لكنه اهتم بفنون الأدب ونبغ فيها، فبرع فى الكتابة والشعر والزجل وتميز نديم فى المناظرات المرتجلة واشتهر بروحه الساخرة.
فى بداية حياته تعلم عبد الله النديم فن التلغراف، وكان قد دخل مصر حديثًا، واشتغل النديم فى مكتب بنها للتلغراف ثم انتقل إلى مكتب القصر العالى حيث تسكن الوالدة باشا أم الخديوى إسماعيل.
كان انتقاله إلى القاهرة 1871 بداية لاختلاطه بأعلام الأدب والفن والثقافة فى ذلك العصر، فأخذت شهرته تذيع بينهم إلا أن إقامته لم تطل بالقاهرة فقد اصطدم بخليل أغا الرجل القوى صاحب النفوذ فأمر بفصله من عمله.
رحل عبد الله نديم إلى الدقهلية وأقام بالمنصورة حيث افتتح متجرًا هناك وخلال إقامته التى لم تستمر طويلاً كان مجلسه مقصدًا لرجال الأدب وطلاب العلم، وبعد تجواله فى عدة مدن وقرى بالدلتا عاد إلى الإسكندرية ليستقر بها وكان ذلك عام 1876 فى فترة صعود الحركة الوطنية وهناك اتصل بعناصر من جماعة مصر الفتاة التى كانت تطرح مشروعًا للإصلاح الوطنى.
وبدأ عبد الله نديم الكتابة بانتظام فى عدد من الصحف التى أصدرها أديب إسحاق وسليم نقاش وفى عام 1879 شارك فى تأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية وأصبح مديرًا لمدرستها كما تولى تدريس الإنشاء وعلوم الأدب والخطابة بها وأنشأ فريقًا للمسرح بالمدرسة
وفى الإسكندرية بشر بمبادئ حزبه الجديد الذى أسسه "حزب الإصلاح"، كما شارك فى تحرير جريدتى "مصر"، و"التجارة"، ولم يكتف النديم بالنضال الصحفي، ففى عام 1879 أقام النديم فى الإسكندرية محفلاً للخطابة راح يستغله فى نشر دعوته الإصلاحية وأفكاره التحريضية ضد الظلم.
تعرف على محمود سامى البارودي، واشترك فى الثورة العرابية عام 1881 م وانضم لها بقلمه و لسانه، فكان وقودا لهذه الثورة، حيث كان صوته يجلجل فى الآذان، ويوقظ الأسماع بنبرته المعبّرة وأدائه الخطابى البديع..
وأصدر عبد الله النديم مجلة "التنكيت و التبكيت" لمؤازرة الثورة العرابية، فصدر عددها الأول بتاريخ 6 يونيو 1881 م وعددها الأخير بتاريخ 23 أكتوبر 1881م.
كما أصدر مجلة "اللطائف"، لسان حال الثورة، وانضم إلى أحمد عرابى ومحمود سامى البارودى فى معركة التل الكبير ضد الجيش البريطانى والتى انتهت بهزيمة العرابيين.
...
بعد فشل الثورة العرابية و دخول الإنجليز مصر طاردت سلطات الاحتلال (النديم)، فاختفى لمدة تسع سنوات، و حُكم عليه غيابياً بالنفي، و رصدت سلطات الاحتلال و الخديو توفيق 1000 جنيه لم يرشد عنه، و لكن الأهالى، و فى بعض الأحيان الشرطة نفسها، تستروا عليه و أخفوه فى بيوتهم عن سلطات الاحتلال، فهو فى نظرهم الثائر البطل الذى تصدى بقلمه للخديوى توفيق وديكتاتوريته و ظلم الاحتلال و جبروته.
ظل عبد الله النديم مختفياً حتى قبض عليه م فى إحدى قرى محافظة الغربية. و أمر الخديو توفيق بنفيه، فأختار يافا لقربها من بيت المقدس. وظل بفلسطين حتى عفى عنه الخديوى (عباس حلمى الثاني).