صدر حديثا مؤلف لمؤسسة نيو بوك للنشر يحمل عنوان "الحوار والعيش المشترك بين أتباع الديانات" للدكتورة هدى درويش أستاذ ورئيس قسم الأديان المقارنة بجامعة الزقازيق، حيث قام بتقديم المؤلف الدكتور علي جمعه عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية السابق ورئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، والدكتور ثروت قادس رئيس مجلس إدارة الأكاديمية الدولية للحوار بالكنيسة الإنجيلية بمصر ورئيس اتحاد المجلس الأعلى للجاليات المصرية بألمانيا.
قدم الكتاب عدد من المجتمعات التى تمثل صورة حية وفذة للتلاقي الحواري والتعايش الإنساني حيث وظفت الاختلاف والتنوع للانطلاق نحو التفاهم والبناء فأصبحت هذه المجتمعات من أعلى الدول عالميا اقتصاديا وتعليميا وتكنولوجيا واجتماعيا، ومن هذه الدول كوريا الجنوبية وماليزيا.
يشكل فيه الحوار نوعًا من الايجابية المطلقة حيث يعمل على تعزيز القيم الدينية، ونشر الفضائل ومكارم الأخلاق، وتقوية الإيمان بالمبادئ القويمة التي جاءت بها الأديان السماوية، والتعاون على توعية الناس بأخطار الانحراف الفكري والسلوكي والتطرّف والغلوّ والجريمة بكل أنواعها.
كما يمثل الحوار الإنساني فريضة في الفطرة الإنسانية والشرائع والأعراف، وقد دعت إليه النصوص المقدسة في الديانات، حتى أصبح ضرورة حتمية في ظل ما يعانيه العالم من مخاطر الإلحاد والعلمانية المتطرفة والتطرف الديني وغيرها من المخاطر التي تمتد إلى مخاطر بيولوجية وصحية وصناعية.
وقد أظهرت أحداث كثيرة ألمت بالبشرية على مر التاريخ حتى عصرنا الحالى ضعفًا شديدًا في بنية الوعي الديني لدى الشعوب، كما كشفت عن أنواع الكراهية التى شاعت بين أصحاب الديانات المختلفة، نتيجة لغياب الثقافة الصحيحة بالدين وامكانية السيطرة على النفوس من خلال حملات التضليل والتشكيك والتأويلات الخاطئة للدين من قبل بعض الخارجين عن أنظمة الدول لتحقيق أغراض غير شرعية وغير شريفة، وها هي الأحداث في الأراضي الفلسطينية تتجدد يوميا على مرأى ومسمع من العالم شرقه وغربه، وهاهي الدماء تراق لتعم أرض العراق والصومال وأفغانستان، وقد سبقتها من قبل الشيشان والبوسنة والهرسك وكشمير، وكم من بقاع في الأرض خضبتها الدماء في غيبة من الإدراك لماهية الأديان ومقاصدها، وكأن العالم مع ما أحرزه ويحرزه من تقدم، يعود سريعا إلى عصور الجاهلية المظلمة فأصبح هؤلاء يعيشون قرنهم الحادي والعشرين بمدنية وتقدم هائل في كافة مناحي الحياة، ولكن مع الأسف الشديد يعيشون عهود يغلب عليها التطرف وتشيع فيها لغة القوة والدماء والدمار. وهو ما يجرى على مستوى العالم شرقا وغربا.
وما أكثر الأحداث بين أفراد الشعوب التي تبين مدى القصور الإعلامي في توصيل الوعي بحقيقة الأديان ووحدتها ومقاصدها إلى الشعوب، ومع ما يعرفه الجميع من أهمية الحقل الإعلامي في هذا الشأن فإنا لا نلقي بالتبعة على الإعلام فحسب، وإنما كل الجهات التي ينبغي أن تؤدى دورا في محو هذه الكراهية لتزرع الحب والإخاء والسلام.
إن واجب الإنسانية نحو بعضها البعض يتحدد بالتفاعل والتحاور، والتركيز على التعاون الإيجابي في المجالات الإجتماعية العامة كالعدل، والسلم، والتضامن في محاربة كافة أنواع الكراهية والتطرف والأمراض والأوبئة الاجتماعية كالمخدرات والكحول، وضمان كيان الأسرة، ومنع الفساد بكل أشكاله، والتي أكد عليها المولى سبحانه في قوله تعالى: ﭽوَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﭼ لذا فإنه على شعوب العالم، أن تنطلق نحو القيم والمثل والتخلص من الأنانية والتعصب. فالتعارف والتعاون وتصحيح المفاهيم الخاطئة والصور المشوهة، والتفاهم على الجوامع المشتركة بين الأديان والثقافات والحضارات، يؤدى بالضرورة إلى التلاقح الثقافي والحضاري الذي ينتج عنه الإبداع والتجديد.
كما أن بذل الجهود فى محاربة التأويلات الفاسدة لنصوص الكتب السماوية، وتشويه صورة الأنبياء والمرسلين، هو من أهم الضرورات لبعث الاحترام المتبادل بين أتباع الأديان.
ومن الإيجابيات التي يشهدها عصرنا الحالي من أجل الدعوة للتلاقي الحضاري بين الشعوب وتفعيل أساليب الالتقاء والتقارب على مستوى العالم، إقامة الندوات والمؤتمرات والمناظرات واللقاءات على مستوى العالمين الإسلامي والغربي، والتي تتضمن موضوعات حوار الحضارات، وحوار الأديان، بهدف فهم الآخر والاعتراف بخصوصياته واحترامه، باعتبار أنه السبيل الأمثل لتجنب الصدام والقضاء على كل أشكال الانغلاق والتطرف والإرهاب.
وقد خلص هذا الكتاب إلى عدد من النتائج من أهمها:
-إن الاختلاف بين الناس هو حقيقة واقعية، وسنة كونية لابد من التسليم بها وقبولها، بل وتوظيفها لخدمة الإنسانية والسلم العالمي.
-قدمت النصوص المقدسة في الديانات دستورا للحوار وتشتمل على كم هائل من مواطن الاشتراك والاتفاق الأمر الذى يمثل أرضية خصبة للانطلاق نحو حوار ايجابى وبنَّاء يخدم الإنسانية.
-تمثل حوارات الأنبياء مع أقوامهم مدرسة عظمى في التدارس الحواري يجب على الأتباع استلهامها وتدبر أسسها والاقتداء بها.
-لا يعني الحوار الحضاري مع الآخر التنازل عن الثوابت، وإنما الاحتكام إلى القواسم المشتركة، وإلى القدر المشترك من القيم والمثل والمبادئ التي لا خلاف عليها في الأديان، وهو يعنى البناء على الأسس والمبادئ الأخلاقية الصحيحة الواردة في المصادر الدينية، وإشاعة قيم العيش الديني والإجتماعى والإقتصادي والسياسي بين المجتمعات الإنسانية، والتعاون من أجل تحقيق الأهداف المشتركة.
-أهمية تفعيل دور الحوار الديني على مستوى العالم درءا للمخاطر والمواجهات والصراعات والعمل على حل المعضلات التي تثار بين المذاهب والفرق الدينية داخل الدين الواحد تحقيقاً للسلام والأمان في المجتمعات، وحقنا لكل أنواع العنف والتعصب والتطرف، وترسيخا للتقارب والتواصل الإنساني بين شعوب الأرض، وأيضا لمواجهة الاتجاهات والمذاهب غير الدينية الرافضة والمعادية للدين مثل الشيوعية والإلحاد، والتي نجحت في غزو الحياة الفكرية للإنسان.
-الحوار يدعو إلى الاعتراف بأحقية كل فرد في دينه وحريته في معتقده، ويحث على الاحترام والثقة المتبادلة بين أفراد الإنسانية، وإدراك إن الأرضية المتوسطة للتفاعل التّاريخيّ والتّعاون العقلاني هي الطريق الصحيح للحضارة، وأن الفهم الواعي بأن الإنسان إذا ما تجاوز الحدود المادية والأنانية والتعصب، وشعر بالأخوة الحقيقية بينه وبين أبناء جنسه من البشر، فسوف يترقى إلى مراتب إنسانية عليا من السمو والإبداع.
-أسس المسلمون علم مقارنة الأديان كواحد من الإنجازات العظيمة للحضارة الإسلامية التى أسهمت في التفاهم الإنساني والتقدم الفكرى للإنسانية كلها.
- مثلت الإشكالية بين النص المقدس والتجديد واحدة من المعضلات التي ظهرت بين أتباع الديانات، واتفقت الديانات على قداسة النص وعدم شمولية التجديد للنص المقدس .
- يمثل التصوف وسلوكياته وما يقدمه من حياة روحية واحدا من الأسس لتقديم حوار ديني صحيح بين أتباع الأديان.
-يتجه العالم حاليا باختلاف طوائفه ودياناته نحو الحوار، وظهر في الديانات السماوية شخصيات حوارية فذة ومثال على ذلك نافا هيفتز في اليهودية، والأب جورج قنواتي والقس ثروت قادس في المسيحية، والإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي، والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف .
-يستند الحوار إلى دعائم إبستمولوجية (معرفية) وإيديولوجية وسيكلوجية (نفسية) وسوسيولوجية وبيولوجية، فيجب تطويع هذه الجوانب بما يخدم الحوار البناءوالسلام المجتمعي والإنساني.
- تمثل الفنون جانبا من جوانب السمو الروحي والتلاقي الإنساني ومنها الإنشاد الديني والموسيقى الدينية والفن المعماري والخطوط العربية، وتمثل هذه الفنون وسيلة هامة للارتقاء والتفاهم وترسيخ أسس إيجابية نحو حوار إنسانى يشمل كل أتباع الديانات.
جدير بالذكر أن المؤلف لها العديد من المؤلفات والتي ستشارك في معرض هذا العام .