نلقى الضوء على كتاب "نظرية القيم فى الفكر المعاصر" لـ صلاح قنصوة، والذى صدرت له طبعة جديدة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، وفيه لا يجعل "قنصوة" من القيمة مجرد جانب من جوانب النشاط الإنسانى، بل يجعل منها طابع وجود الإنسان.
يقول الكتاب فى مقدمته "تتصدر القيمة مكانا رفيعا فى أحاديثنا المعتادة وجوانب سلوكنا اليومية، كما تشغل مساحة فسيحة من موضوعات البحث فى العلوم الاجتماعية، وتحظى بأهمية خاصة فى الدين والفن والفلسفة.
وقد أوشك أن يكون الحديث فيها كالحديث فى "الطب" الذى يشارك فيه الجميع دون حرج، أو خشية اتهام بعدم التخصص.
وربما كان أكثر ألوان الحديث عن القيم ذيوعا وانتشارا، هو ما ألفناه فى الأسلوب الخطابى البليغ الذى ينطلق من الأوتار الصوتية والشفاه، ويتوجه بإيقاع كلماته وجرسها إلى صيوان الأذن، وينشد فى النهاية إعجابا فوريا.
ويعتمد هذا الأسلوب السائد على إشعال حرائق هائلة فى غابات الألفاظ التى تنفجر فى الجو كالألعاب النارية التى تزدان بها السماء فى أيام الأعياد والمهرجانات، وتقتضى بطبيعة الحال حماسا مشوبا كالذى يؤديه الممثل على خشبة المسرح، ثم ما يلبث أن يذوى ويخفت مع إسدال الستار.
وتظل القيمة على هذا النحو مفهوما مراوغا ومثيرا للخصومة الفكرية. ولعل السبب فى هذا الاضطراب والتضارب هو الخلط بين مجالين. الأول هو مجال "الممارسة" اليومية حيث تشارك فى صوغها شؤون الحياة المعتادة وروافدها من وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية، وقواعد العمل، والذوق الشائع.
أما المجال الثانى فهو مجال الدراسة حيث تتناولها الفلسفة والعلوم الاجتماعية على نحو مختلف يفصل البحث فى طبيعة القيمة وأنماطها ومصادرها.