نلقى الضوء على كتاب "تحولات الشعرية فى الأندلس .. قراءة فى التشكيل والدلالة" للدكتورة رشا غانم، والذى صدر عن دار النابغة، ويركز الكتاب على التحولات الشعرية فى مدينة بلنسية -عاصمة شرقى الأندلس- فقد برهنت على إبداعاتهم الشعرية، من خلال قصائدهم السامقة، التى خلدت ذكر مملكة بلنسية، وما مرت به من أحداث، فكانت نتاجا شرعيًّا للبيئة بظروفها الجغرافية، والتاريخية.
وقد حدَّد ابن بسام الشنترينى (ت542هـ) من أوائل مؤرخى التاريخ للأدب الأندلسي، فى كتابه "الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة"، وهو أول كتاب وصلنا منه مفهوم شرقى الأندلس، حين قسم كتابه جغرافيا، على ثلاثة أجزاء تخص الأندلس، وجزء رابع لمن وفدوا إليها، وجعل الجزء الثالث من نصيب شرقى الأندلس، وفيه – كما يقول هو- سوف نتحدث عن بلنسية وما يُصاقبها، وجاء بعده ابن سعيد المغربى المتوفى (ت:685هـ) فى كتابه (المُغرب فى حُلى المَغرب)، ففصل القول فيما أجمله ابن بسام، وحدد لنا ما يتصل بالمملكة البلنسية مدنًا، وقرى، وحصونًا، فقد ذكر من مدنها: بَطَرْنَه، بنَّه، وشاطِبة، ودَانية. ومن حصونها: مَتِيطَة، يَانْبَه، مربيطر، وجزيرة شُقْر، وغير ذلك مما تضمنه الجزء الثانى من كتابه.
وقد مر شرقى الأندلس سياسيًّا بعدة مراحل هي:
المرحلة الأولى: حين كان جزءًا من الإمارة الأموية، أو الخلافة من بعدها، أو الحجابة من بعد الخلافة. ثم المرحلة الثانية فى عصر الطوائف كان من نصيب الفتيان العامريين، ثم المرحلة الثالثة تأتى مع آخر عصر الطوائف، عندما سقطت بَلَنْسِية فى يد السيد القنبيطور عام 1094م، واستمر فيها ثمانية أعوام، ومنذ ذلك الحين توالت النجدات من أمير المسلمين "يوسف بن تاشفين" فى المغرب، فبعث جيشًا من المرابطين لنجدة بلنسية؛ لتعود إلى حوزة الإسلام، ثم المرحلة الأخيرة حين نجح المرابطون فى استردادها عام 1102م، وظلوا فيها، ثم الموحدون من بعدهم، إلى أن سقطت نهائيًّا فى يد الإسبان (636هـ- 1238م).
وفى ضوء هذا قدمت لنا هذه المنطقة كوكبة من الشعراء الذين وصلتنا دواوينهم، وهم (ابن اللبانة ت: 507هـ، ابن الزقاق ت:521هـ، ابن خفاجة ت: 533هـ، الرصافى ت:572هـ، ابن مغاور الشاطبى ت: 587هـ، ابن حريق ت:622هـ، ابن مرج الكُحل ت:634هـ، وابن الأبَّار ت: 658هـ، والمُطرِّف بن عَمِيرة ت: 659هـ). إلى جانب شعراء آخرين تناثر شعرهم فى مختلف المصادر الأندلسية مغربية ومشرقية.
منهم: (أبو جعفر بن البَنِّي، أبو عبد الله بن يربوع الشاطبي، أبو طالب المتنبي، ابن سعد الخير، أبو الوليد بن الجنَّان، أبو الحكم البلنسي). واقتضى هذا البحث دراسته فى بابين سبقهما.