صدر عن دار نينوى فى دمشق كتاب"الحنين إلى الممكن" للكاتب الإيطالى أنطونيو تابوكى، ويحوى قراءات حول شاعر البرتغال الأعظم فيرناندو بيسوا ترجمة نزارآجرى.
فى خريف عام 1964، كان الإيطالى أنطونيو تابوكى يدرس الفلسفة فى باريس حين اكتشف، مصادفةً، نصّاً مترجماً إلى الفرنسيّة بعنوان (دكَّان التبغ) لكاتب برتغالى غير معروف اسمه فرناندو بيسوا، كانت تلك هى المرَّة الأولى التى يسمع فيها بهذا الاسم، منذ ذلك اليوم لم يفارقه قطّ، من أجله انكبَّ على اللّغة البرتغاليَّة ليتعلَّمها، فأتقنها وصار يكتب بها، صار تابوكى بالنسبة إلى بيسوا مثل ما كان عليه سانشو بانشا بالنسبة إلى دون كيخوته: يتبعه كظلِّه.
دخل تابوكى عالم الأدب من بوَّابة بيسوا، بالنسبة إليه، لم يكن بيسوا مجرَّد كاتب كبير بل كان معلِّماً ومرشداً.
ترجم تابوكى كلَّ أعمال بيسوا، لم يترك شيئاً: كلّ كتاب، كلّ عبارة، كلّ جملة، كلّ كلمة، ولم يكتفِ بهذا، بل راح يكتب مقالات عن حياة بيسوا وكتبه، ويلقى محاضرات لشرح نصوص بيسوا ودرس أفكاره، بل إنَّه كتب نصّاً قصصيّاً جميلاً بعنوان (الأيَّام الثلاثة الأخيرة لفرناندو بيسوا)، على فراش الموت يستقبل بيسوا أنداده من الكتَّاب، الذين كان صنعهم بنفسه، ليتبادل وإيّاهم الكلمات الأخيرة.
والكتاب الحاليّ، الذى أصدره تابوكى باللغة الفرنسيّة بعنوان (الحنين إلى الممكن)، يضمّ ثلاث محاضرات كان ألقاها فى المعهد العالى للدراسات الاجتماعيّة فى باريس عام 1994.
فى الكتاب، يحاول تابوكى أن يبيّن إلى أى حدٍّ كان بيسوا يعبِّر عن دخيلة الإنسان المعاصر، كان بيسوا مهووساً بالعلاقة التى تربط الإنسان بالزَّمن وذلك الانشداد النوستالجى ليس إلى ما مضى وانصرم وحسب، بل إلى ما هو ماثل فى اللحظة الحاضرة أيضاً، فالحاضر ليس سوى ماضٍ مؤجّل، ومسألة الحنين لديه لا تكمن فى البحث عن الزمن الماضى بل عن الزمن الحاضر. إنَّه حنين ليس إلى ما كان بل إلى ما كان يمكن أن يكون.