يسجل التاريخ أنه فى سنة 64 ميلادية شب حريق كبير التهم مدينة روما، بينا كان حاكمها نيرون يشاهد ذلك فى هدوء مستفز دفع الناس للشك فيه، وقد عرفت العديد من المدن حرائق كثيرة، ولكن هل سمعت عن حريق مدينة الفسطاط؟
وقع هذا الحريق فى نهاية الخلافة الفاطمية عام 1168 م، وأتى على كل المدينة و لم يبق منها إلا مسجد عمرو بن العاص، ولولا هذا الحريق لكان هناك الآن آثار أخرى بقيت من الفسطاط التى بناها عمرو بن العاص بعد فتح مصر عام 641 م.
كانت الفسطاط طوال العصر الفاطمى مدينة مصر الرئيسة ومركز نشاطها الاقتصادى والصناعى والعلمي، بينما كانت القاهرة هى مقر الحكومة الفاطمية ومركز الدولة الإدارى والسياسى والمعقل الرئيس لنشر الدعوة الإسماعيلية، ويكوّن مجموع المدينتين العاصمة المصرية فى العصر الفاطمي.
وقرب نهاية العصر الفاطمى اجتاح الفسطاط حريق متعمد فى عام 564هـ/ 1168، بناء على أوامر الوزير شاور، استمر أكثر من 54 يوماً وأتى على أغلب المواضع الواقعة حول جامع عمرو وعلى المناطق الشمالية الغربية المعروفة بالحمراوات.. واضطر أهل الفسطاط للفرار على القاهرة.
فى نهاية العهد الفاطمى عاشت مصر فترة انهيار كبيرة نتيجة تداعى الخلافة الفاطمية و ضعف الخلفاء و آخرهم الخليفة الفاطمى العاضد بالله الذى أخذ يكيد لوزرائه و يؤلب بعضهم على بعض.
و فى عهده نشب صراع مرير على الوزارة بين الأمير شاور حاكم الصعيد و الأمير ضرغام أمير فرقة من الجند المغاربة، وكل يحاول أن يصل إلى كرسى الوزارة على جثة الآخر، و الخليفة العاضد يقف متفرجاً يكيد لأحدهم تارة ثم ينقلب عليه تارة اخري.
و بلغ الصراع بين الأمراء ذروته عندما استغل شاور أطماع الصليبيين فى مصر و رغبتهم فى إقامة إمارة صليبية فيها، فأرسل إليهم يحثهم على مناصرته ضد ضرغام فى مقابل أن يدفع لهم ثلث إيراد مصر.
فانتهز أموري، ملك بيت المقدس الصليبي، هذه الفرصة و سار بجيشه إلى مصر بدعوى أن شاور لم يدفع له الضريبة المتفق عليها.
فاستنجد شاور بالأمير نور الدين محمود لينقذه من الصليبيين هذه المرة، و لكن نور الدين كان يدرك لعبة شاور و إثاره لمصالحه الشخصية على مصلحة البلاد، فقرر أن يتخلص من شاور نهائياً و فى نفس الوقت ينقذ مصر من أن تقع فى يد الصليبيين. فأرسل جيشه بقيادة أسد الدين شيركوه و صلاح الدين الأيوبى ليتخلص نهائياً من شاور و الحكم الفاطمى الشيعى و التهديد الصليبى و يضم مصر إلى الشام تحت امرته.
وجد شاور نفسه فى مواجهة جيشين، الجيش الصليبى و جيش نور الدين محمود، فأصابه اليأس من مواجهة الاثنين و عرف أن ملكه زائل، فعمد إلى اللعب على الطرفين حيث قام بدفع ثلث ريع (أجمالى الناتج المحلي) مصر إلى نور الدين محمود ليحميه من الصليبيين، و فى نفس الوقت قام بتحذير أمورى من قدوم جيش نور الدين ليكسبه فى صفه.
كما قرر شاور حرق مصر ( الفسطاط) لعرقلة دخول الصليبيين القاهرة، و أمر أهل مصر ( الفسطاط) بترك بيوتهم و محالهم و الانتقال إلى القاهرة التى بناها المعز، و قام بإحراق الفسطاط بأكملها، و ظلت النار مشتعلة فيها 54 يوماً و كان الدخان يرى على مسيرة 3 أيام، و بذلك ضاع كل أثر للفسطاط التى بناها عمرو بن العاص و لم يبق منها إلا جامع عمرو بن العاص.