تمر اليوم الذكرى الـ224 على اندلاع معركة إمبابة إذ قامت فى 21 يوليو عام 1798 بين المماليك بقيادة مراد بك وإبراهيم بك، وجيوش الحملة الفرنسية بقيادة الجنرال بونابرت، وانتهت بهزيمة ساحقة للمماليك، بقتل وأسر وغرق فى مياه النيل، حيث اشترك فيها من الجانب المصرى 10 آلاف من فرسان المماليك وبضعة آلاف من المشاة.
ولعل تلك المعركة كانت بداية تغير مسرح المعارك الحربية فى الشرق الأوسط، فبعد تلك المعركة لم تصبح شكل المعارك الحربية فى مصر كما كانت من قبل، وبدأت البلاد فى معرفة نوع جديد من الأسلحة العسكرية لم تكن تطلعت إليها من قبل، خاصة فى ظل استمرار حروب السيوف التى عرفتها مصر طيلة حكم الدول الإسلامية المتعاقبة، وبعد البنادق البدائية فى أواخر عصر المماليك.
وبرغم شجاعة المماليك إلا أن الجيش الذى حارب خلال تلك المعركة، لم يكن قد امتلك شيئا من تكنولوجية الأسلحة الحديثة، ولم يواكب أحدث نظم التسليح فى تلك الأثناء، ودخل المعركة وهو يحارب بأسلوب العصور الوسطى، الذى لم يعد يتناسب مع حربها ضد نابليون، فكانت سمة حروب المماليك ما هى إلا حرب شوارع، فهم لا يملكون سوى عدد قليل من المدفعية والمشاة، ويمتزون بالخيالة، ولكن كل هذا لا يفعل شىء أمام الجيش الفرنسى الذى يمتاز بالمشاة المدربة وعدد كبير من القطع المدفعية بالإضافة إلى قائده نابليون بونابرت.
وبحسب كتاب "تأملات عصرية فى الحملة الفرنسية" للكاتب محمد عرموش، بأن المعركة السابق ذكرها كانت خير مثال على مستوى التدهور فى أحوال مصر وأحوال المماليك أنفسهم، فرغم شجاعتهم وبسالتهم إلا أن الجهل والتخلف قد ساد، حتى أنه فى بداية المعركة ظهر أحد الفرسان، كان ما يزال يتصور بقاء عصور الفروسية، لينادى على جنود الحملة هل من مبارز، قبل أن يسقط أرضا بعدما أطلق عليه الفرنسيون الرصاص".
وبحسب المؤرخون فإن معركة إمبابة تعد أحد أبرز الأحداث التى مهدت لنابليون بونابرت الطريق لغزو مصر، فعلى الرغم من شجاعة جنود وفرسان المماليك وبأسها، إلا أنهم لا يجيدون سوى مهارة حروب الشوارع، وهى نفس طريقتهم التى تعودوا عليها فى حروبهم ضد بعضهم البعض، أو فى معاركهم ضد من يتمرد عليهم من الأهالي، أو من جنود الوالى العثماني، وفى نفس الوقت لم يجيدون أى من أساليب القتال النظامي، حتى أنهم مازالوا يعتمدون على الخيالة، ويحاربون بأسلوب العصور الوسطي، غالبًا ما تفتقد للتكتيكات العسكرية الحديثة، والأسلحة الحديثة كالمدفعية، بعكس الجيش الفرنسى الذى كان يمتاز بالمشاة المدربة وعدد كبير من القطع المدفعية، بالإضافة إلى قائد عسكرى عبقرى ممثلا فى نابليون بونابارت نفسه.
ووفقا لكتاب "النضال الشعبى ضد الحملة الفرنسية"، فقد انتصر فى المعركة نابليون بونابرت على المماليك لفرق القوة العسكرية بين الطرفين ففريق المماليك كان يستعمل الفروسية اما نابليون فاستخدم المدافع والبارود والأسلحة الحديثة آنذاك.
وقد وصف الجبرتى هذا الحدث قائلا : "ثم إن الطابور الذى تقدم لقتال مراد بك انقسم على كيفية معلومة عندهم فى الحرب وتقارب من المتاريس بحيث صار محيطاً بالعسكر من خلفه وأمامه ودق طبوله وأرسل بنادقه المتتالية والمدافع واشتد هبوب الريح وانعقد الغبار وأظلمت الدنيا من دخان البارود وغبار الريح وصمت الأسماع من توالى الضرب بحيث خيل للناس أن الأرض تزلزلت والسماء عليها سقطت".