تمر اليوم ذكرى سقوط الدولة الأموية والتى كان آخر حكامها مروان ابن محمد، والذى يذهب البعض إلى أنه كان شخصا قويا، ولكن من سوء حظه أنه جاء والدولة الأموية مدمرة تماما.
يقول كتاب "عصر الاتساق.. تاريخ الأمة العربية" لـ محمد سعد أطلس فى الجزء الرابع:
هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، وأمُّهُ لبابة الكردية، ولد بدمشق سنة ٧٣ﻫ، وكان من أحزم بنى أمية وأكثرهم تدبيرًا، نشأ فى دمشق كما ينشأ شباب العرب، فقرأ القرآن وحفظ الشعر، وتأدب بآداب العرب، وكان مؤدبه الجعد بن درهم أحد أئمة الكلام، وأول من قال بنفى القدر، وكان يقول بخلق القرآن ونفى الصفات الأزلية عن الله سبحانه، ولقب مروان بالجعدى نسبة إلى أستاذه ولتحمسه لمذهبه، وكان الناس من أعدائه يذمونه وينادونه: يا جعدى يا معطل.
استخلاف مروان فى دمشق، فلم يلبث أهل حمص إلا ثلاثة أشهر، حتى ثاروا عليه بزعامة ثابت بن نعيم، فسار إليهم مروان سنة ١٢٧، ودخل المدينة ففتك بالثائرين، وهرب ثابت إلى فلسطين، ولم يلبث أن جاءه أن أهل الغوطة ثاروا وحاصروا دمشق بزعامة يزيد بن خالد القسري، فبعث إليهم مروان من حمص أبا الورد بن الكوثر، وعمرو بن الوضاح فى عشرة آلاف، ففتكوا بالثوار، وحرقوا المزة من قرى اليمانية.
وفى تلك السنة أيضًا ثار أهل فلسطين بزعامة ثابت بن نعيم، الذى هرب من حمص فأتى طبرية، فكتب مروان إلى أبى الورد وابن الكوثر أن يلحقا به، فأدركاه وفتكا به، ورجع مروان إلى دمشق فبايع لولديه عبيد الله وعبد الله، وزوَّجهما ابنتَى هشام بن عبد الملك، وجمع بذلك أمر بنى أمية، فاستقامت له الشام، ما خلا تدمر، فبعث إليها الأبرش بن الوليد وسليمان بن هشام فقضيا على أهلها، وبذلك هدأت ديار الشام فَفَرَّق فِرَق الثوار إلى العراق، ولكن ذلك الهدوء لم يلبث طويلًا؛ إذ ثار سليمان بن هشام بن عبد الملك بقنسرين، فأتاه مروان فهزمه، ففر سليمان إلى تدمر.
أما العراق فقد بعث إليه مروان النضر بن الحرشي، فثار عليه الضحاك بن قبب الشيبانى الخارجي، وجرت بين الاثنين معارك كثيرة، انتهت بخضوع الضحاك ثم قتله فى سنة ١٢٨. ثم إن مروان سَيَّر يزيد بن عمر بن هبيرة إلى العراق؛ لقتال من فيه من الخوارج، فقاتل المثنى بن عمران العائذي، خليفة الخوارج فى العراق، فهزمهم ابن هبيرة، واستولى على العراق والماهين والجبل. غير أن الشيعة العلوية والعباسية والخوارج أخذت تعمل بقوة فى الخفاء؛ أما الخوارج فإنهم بعد أن فقدوا الضحاك زَعَّموا عليهم أبا حمزة الخارجي، وكان قويًّا نشيطًا يزور مكة كل سنة، ويحرض المسلمين على حرب الأمويين، فتبعه كثيرون، واشتدَّ أمره، وتبعه جماعات فى الحجاز والعراقين، ثم إنه جاء إلى عبد الله بن يحيى العلوى المُلَقَّب بطالب الحق فى سنة ١٢٨، وقال له: اسمع كلامًا حسنًا، إنى أراك تدعو إلى حق، فانطلق معي، فإنى رجل مطاع فى قومي. فخرج معه حتى أتيا اليمن وحضرموت، فبايعه أبو حمزة وجماعته بالخلافة، ودعا إلى قتال مروان وبنى أمية، ثم خرج فى سنة ١٢٩ إلى مكة، وكان عليها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الله، فهادنهم إلى أن ينتهى موسم الحج، فلما انتهى الموسم، سار عبد الواحد إلى المدينة، وزاد فى أعطيات أهلها، ودعاهم إلى قتال أبى حمزة، ولما التقى الجمعان فى قديد تشتت المدنيون، وهرب عبد الواحد إلى الشام، ودخل أبو حمزة المدينة فى صفر سنة ١٣٠ وأحسن السيرة فيها، وقال لأهلها: علينا الآن أن نغزو بنى أمية الظالمين فى عقر دارهم، فتوجه بهم إلى دمشق، فبعث إليهم مروان أربعة آلاف، عليهم عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي، فالتقوا بهم بوادى القرى، فقتل أبو حمزة، وسار عبد الملك حتى أتى المدينة ثم اليمن فقتل طالب الحق، وهكذا قُضِى على الخوارج.
وأما الشيعة العباسية فإن أبا مسلم حين قدم خراسان آخر قدمة رأى أن خير وسيلة لتغلبه هى فى الإيقاع بين العنصر العربي، فأجج نيران العصبية بين النزارية واليمنية من جديد وجعلهم يقتتلون، ثم سار يسيطر على المشرق الذى لم يبقَ فيه لأمية نفوذ. ولما سيطر عليه، وقهر نصر بن سيار أمير خراسان، وقضى على حركة مروان بن عبد الله العلوى سار نحو العراق، وأخذ يحتل عواصمه، ولما بلغت هذه الأخبار مسامع مروان بعث من جاءه بإبراهيم الإمام، وكان يقيم بالحميمة من أرض فلسطين، فحبسه فى حران ثم قتله، وتمكن العباسيون — السفاح والمنصور وأهلوهم — أن يهربوا بأنفسهم إلى العراق، فأتوا الكوفة.
ولما تمكَّن أبو مسلم من العراق قصد الكوفة، فاستولى عليها سنة ١٣٢، ثم بويع أبو العباس السفاح، وبعث عمه عبد الله بن على إلى مروان، فلقيه بالزاب وهزمه، فأتى مروان، ثم قصد الشام لعله يجد له عونًا، فإذا الناس قد ولوا عنه، وصار مروان لا يمر بجند من أجناد الشام إلا انتهبوه، فلما اجتاز بقنسرين أومقت تنوخ بساقته، ثم أتى حمص فقال أهلها: مرعوب منهزم، فاتبعوه وقاتلوه، ثم أتى دمشق فوثب عليه الحارث بن عبد الرحمن الحرشي، فجاء الأردن، فوثب له هاشم بن عمر العنسى والمذحجون اليمانيون، ثم أتى فلسطين فوثب الحكم بن ضبعان بن روح بن زنباع على جنده. قال صاحب الأخبار الطوال: "جعل مروان يستقرى مدن الشام، فيستنهضهم فيروغون عنه ويهابون الحرب، فلم يسر معه منهم إلا قليل، ورأى أخيرًا أن يذهب إلى مصر، فلحقه المسودة قرب أبو صير، وقتلوه فى ذى الحجة سنة ١٣٢، وبموته انقرض الملك الأموى فى المشرق".
قُتل مروان فى ذى الحجة سنة ١٣٢ بعد حكم دام خمس سنوات، وله من العمر تسع وخمسون سنة، وهو من دهاة بنى أمية وعقلائهم وأحزمهم، ولكنه أدرك الدولة وهى منهارة، فلم يستطع أن يعمل شيئًا ذا غناء كبير فى إحيائها. قال الأستاذ كرد علي: "وكان مروان من أمثل خلفائهم، وكان سديد الرأى ميمون النقيبة حازمًا، فلما ظهرت المسودة ولقيهم كان ما يدبر أمرًا إلا كان فيه خلل".