تدور رواية "زقاق الجمجم" للروائى العراقى بيات مرعى، الصادرة عنصدر حديثا عن دار الآن ناشرون وموزعون،حول مجموعة من الأحداث التى يسترجعها الكاتب عبر ذاكرته، وتدور فى بيئة شعبية بسيطة تمتاز بواقعية شخصياتها، وبعلاقاتها الإنسانية التى لم تعد موجودة فى الوقت الحاضر كما رأى الكاتب.
واستحضرت الرواية كثيرًا من الأحداث التى وقعت خلال الألفية الثالثة فى العراق، وما رافق تلك المرحلة من معاناة واحتلال، وتدور الحكاية حول مشاهدات عسكرى عراقى قدم إلى مدينة البصرة من خارجها، فعاد به شعوره بالغربة إلى ذكرياته فى "زقاق الجمجم"، مسقط رأسه فى مدينة الموصل، وهو مكان يمثل ملامح المدينة وأهلها وتفاصيل الحياة اليومية هناك، فأخذ ينقل ما عايشه عن قرب من تفاعل بين أهل الزقاق، الأمر الذى جعل الرواية مليئة بالحكايات الفرعية التى تجسد هموم الناس هناك وخلجاتهم، ويختلط فيها العام بالشخصى تاركا أثره على أحلام الناس فى الزقاق وآمالهم.
يصف بطل الرواية تفاصيل المكان قائلًا: "جدار منزلنا الجنوبى يطلّ على الزّقاق بنافذته الواسعة التى طالما كنت أجلس فى حوضها منذ الفجر، وأرقب الأحداث نزولاً عند رغبة أمّى التى كانت تمنعنى الخروج خارج الدّار قدر ما استطاعت خوفاً على، لكنّ الفُرَص التى كنت أقتنصها حين تكون أمّى مشغولة بأمور البيت كانت كثيرةً، فكنت أخرج من الدّار إلى زقاق الجمجم وألتحق باللّعب مع أطفال محلّتنا. زقاق ضيّق مبلَّط بالحجارة، تنبعث منه روائح مختلِفة كأنّ أحداً يحرق دهن العود وعرف الصّندل لتهبّ رائحةٌ على جناح طائر تجعل الرّوح تنتشى، ربّما كان ذلك لكثرة ما تتعطّر نساء الزّقاق بشتّى أنواع العطور، كنت أحبّ الخروج من الدّار لأعرف ماذا يحدث".
كما نقرأ فى هذا المشهد: "كان ألقُ الشّارع ينبعث من أحداثه وأنا أبحر في كلّ ما يجري فيه، أتصوّر أنّ شارعنا (شهر سوق) أوّل طريق شقّها الإنسان على الأرض، وهكذا يضحك مَن يسمع رأيي هذا. وأنّ أوّل عربة خيل رقصت خيولها الأصيلة كانت فيه حتّى إن لم تذكرها الأساطير والملاحم، وأوّل نقطة ضوء سقطت على رصيفه فجعلتْه مضطجَعاً لجميلات محلّتنا، وأوّل لقاء للمطر كان على سطحه، وما قناطر أزقّته سوى بوّابات سحريّة تؤدّي إلى عوالم شتّى متناهية المسافات والأسرار، تلك القناطر التي تبتلع زائريها تحت ظلالها الفضّيّة الشّاحبة، التي تحتوي على ألف خرافة وخرافة من الحكايات والبطولات ترفد الحياة كلّها بالعِبر والنّصائح، تلك الأزقّة التي تمدّ سالكيها بحمّى روائح أطعمة مختلِفة أقرب إلى سيمفونيّة عارمة الضّجيج تلاحق الزّائرين من نافذة إلى أخرى على طول الطّريق وكأنّها تريد أن تُضيّف زائريها قبل أن يدخلوها".
بيات مرعي وُلد في مدينة الموصل في العراق عام 1963، وهو كاتب ومخرج مسرحي، تخرج في أكاديميّة الفنون الجميلة بجامعة بغداد عام 1990، وهو عضو في نقابة الفنانين العراقيّين وعضو الاتحاد العام للأدباء العراقيّين، وصدر له قبل رواية "زقاق الجمجم" مجموعة كبيرة من الأعمال التي تنوعت بين المسرح والقصة والرواية، ونال مجموعة من الجوائز الأدبية العربية.