يحتفل العالم باليوم العالمى للصداقة، وهو موضوع أصيل فى الثقافة والتراث الإنسانى، وقد اهتمت الثقافة العربية بذلك الموضوع، ومن ذلك كتاب "الصداقة والصديق" للكاتب الشهير أبو حيان التوحيدى، الذى عاش فى القرن الرابع الهجري.
ويقول الدكتور إبراهيم الكيلانى فى مقدمة تحقيقه للكتاب:
موضوع الصداقة قديم قدم الإنسانية وفيه تتجاوب عواطف النفس البشرية، وعلى صفحاته تنعكس نفسيتها وروحها، وأولع به الأدباء والشعراء والفلاسفة العلماء، فأمعنوا فى استكناه حقيقة هذه الرابطة العجيبة وتعريفها وتحديدها وتحليل روابطها ودوافعها ونشوتها ودوامها وفسادها.
إن التوحيدى الذى آلمته الحياة، وخدشته بأظفارها، كان مدفوعاً بمزاجه ونفسيته وظروف حياته إلى التفتيش عن الصداقة وإحلالها مكاناً أولياً فى علاقاته مع الناس، وإلى العناية بموضوع الصداقة والصديق.
وحديث الصديق -على حد تعبير أبى حيان- حلو، وأعذبه ما صدر عن رجل ذى حساسية تكاد تكون مرضية طلعة، همه الاتصال بالناس ومشاركتهم عاطفياً وفكرياً، واجداً فى عشرتهم سلوى وتعويضاً عما لحقه من إخفاق فى حياته العملية، ووسيلة إلى تفريغ هذا المخزون العاطفى الذى لازمه.. ألم يقل: إن فى حديث الصداقة (شفاء للصدر، وتخفيفاً من البرحاء، وانجياباً للحرقة، واطراداً للغيظ، وبرداً للغليل، وتعليلاً للنفس)؟.
وأبو حيان التوحيدى فيلسوف متصوف، وأديب بارع، من أعلام القرن الرابع الهجري، عاش أكثر أيامه فى بغداد وإليها ينسب، وقد امتاز بسعة الثقافة وحدة الذكاء وجمال الأسلوب، كما امتازت مؤلفاته بتنوع المادة، وغزارة المحتوى؛ فضلا عما تضمنته من نوادر وإشارات تكشف بجلاء عن الأوضاع الفكرية والاجتماعية والسياسية للحقبة التى عاشها، وهى بعد ذلك مشحونة بآراء المؤلف حول رجال عصره من سياسيين ومفكرين وكتاب، وجدير بالذكر أن ما وصلنا من معلومات عن حياة التوحيدى بشقيها الشخصى والعام- قليل ومضطرب، وأن الأمر لا يعدو أن يكون ظنا وترجيحا؛ أما اليقين فلا يكاد يتجاوز ما ذكره أبو حيان بنفسه عن نفسه فى كتبه ورسائله، ولعل هذا راجع إلى تجاهل أدباء عصر التوحيدى ومؤرخيه له؛ ذلك الموقف الذى تعّجب منه ياقوت الحموى فى معجمه الشهير معجم الأدباء (كتاب) مما حدا بالحموى إلى التقاط شذرات من مما ورد فى كتب التوحيدى عرضا عن نفسه وتضمينها فى ترجمة شغلت عدة صفحات من معجمه ذاك، كما لّقبه بشيخ الصوفية وفيلسوف الأدباء؛ كنوع من رد الاعتبار لهذا العالم الفذ ولو بصورة غير مباشرة.