رحل عن عالمنا أمس الخميس، الدكتور حسب الله الكفراوى، عن عمر يناهز 91 عاما، وهو أحد أشهر وزراء الإسكان والتعمير والمجتمعات العمرانية فى تاريخ مصر الحديث، والمشهور بأبو المدن الجديدة فى مصر، إذ خطط وأشرف على بناء عدد من المجتمعات الجديدة فى عدد من المحافظات.
يعتبر البعض حسب الله الكفراوى "أبو المدن الجديدة" بسبب أنه أنشأ مشروعات الجيل الأول من المدن الجديدة فى مصر، وغادر الوزارة بعد أن أصبح عددها 17 مدينة جديدة منها: (السادات، العاشر من رمضان، 15 مايو، 6 أكتوبر، دمياط الجديدة، مراقيا) بمجتمعاتها الصناعية والعمرانية المتطورة وقد بدأها جميعاً فى وقت واحد، بالإضافة إلى ست مناطق تعميرية بمناطق القناة والساحل الشمالى وسيناء، كان من المفترض أن تأوى مدينة السادات كل وزارات الدولة لتخفيف العبء عن القاهرة.
ترك الراحل العديد من الكتب والمؤلفات التى تحدث فيها عن أزمة الإسكان، والطرق المثلة للخروج من المأزق الإسكانى فى وادى النيل، ووضع رؤيته عن المدن العمرانية الجديدة التى أشرف على تخطيطها، وكانت من هذه الكتب كتابه "قضية الإسكان فى مصر".
ويرى الكفراوى فى كتابه أن قضية الإسكان فى مصر حافلة بالتناقضات، فبينما تتنافس شركات المقاولات على إقامة تجمعات سكنية توفر الإسكان الفاخر لمن يقدر على تحمل تكلفته من المصريين أو العرب، يعيش ملايين من المواطنين فيما أصبح يعرف بالعشوائيات التى تفتقد أبسط المرافق، ولا تملك الوصول الى بعضها إلا بطرق غير قانونية، ويعانى معظم الشباب المقبلين على الزواج صعوبة الحصول على شقة متواضعة بإيجار يقدرون على دفعه.
وكان ذلك هو المدخل الذى دعى شركاء التنمية لاستضافة المهندس حسب الله الكفراوى ليكون اللقاء الخامس عشر لمنتدى الشركاء فى 25 نوفمبر 2009، ولكن لم يكن من الممكن أن يقتصر اللقاء على عرض تصوره لدور الدولة فى توفير السكن باعتباره خدمة اساسية تقدمها للمواطنين، وليس سلعة تجاهد لاقتصاء أعلى ثمن لها من نفس هؤلاء المواطنين، ولذا فقد أثار المهندس الكفراوى العديد من القضايا الأخرى المتعلقة بتعمير مصر..
ذلك بحكم رؤيته المتميزة والمشاريع العديدة التى بدأها خلال تجربته العريضة التى امتدت من السد العالى الى تعمير منطقة القناة بعد حرب 1973 ووضع مخططات للمدن الجديدة وللساحل الشمالى وكذلك لتعمير سيناء وساحل البحر الأحمر. وشهدت هذه التجربة تنقل الكفراوى بين مناصب رفيعة عديدة منها محافظ لدمياط ووزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة واستصلاح الأراضي، وقد ترك الرجل ليس فقط بصمات محمودة على وجه العمران فى مصر، ولكنه خلف ايضاً سيرة عطرة لمسئول حقق على مدى سبع عشرة سنة انجازاً مبهراً فى العمل العام، ونموذجاً نادراً للنزاهة والكفاءة رغم كثرة المغريات فى المناصب والوزارات التى تقلدها.