مات يزيد ابن معاوية ومن بعده مات ابنه معاوية الذى لم يلبث فى الحكم إلا أياما معدودة قد تصل لشهور، ومن بعده زاد الخلاف، لأنه مات ولم يوصى لأحد بالحكم، وكان عبد الله بن الزبير فى مكة قد اتسع نفوذه، فهل أصبح أميرا للمؤمنين، وما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان "إمارة عبد الله بن الزبير"
وعند ابن حزم وطائفة أنه أمير المؤمنين آنذاك.
قد قدمنا أنه لما مات يزيد أقلع الجيش عن مكة، وهم الذين كانوا يحاصرون ابن الزبير وهو عائذ بالبيت، فلما رجع حصين بن نمير السكونى بالجيش إلى الشام، استفحل ابن الزبير بالحجاز وما والاها، وبايعه الناس بعد يزيد بيعة هناك.
واستناب على أهل المدينة أخاه عبيد الله بن الزبير، وأمره بإجلاء بنى أمية عن المدينة فأجلاهم فرحلوا إلى الشام، وفيهم مروان بن الحكم وابنه عبد الملك.
ثم بعث أهل البصرة إلى ابن الزبير بعد حروب جرت بينهم وفتن كثيرة يطول استقصاؤها، غير أنهم فى أقل من ستة أشهر أقاموا عليهم نحوا من أربعة أمراء من بينهم ثم تضطرب أمورهم.
ثم بعثوا إلى ابن الزبير وهو بمكة يخطبونه لأنفسهم، فكتب إلى أنس بن مالك ليصلى بهم.
ويقال: إن أول من بايع الزبير مصعب بن عبد الرحمن.
فقال الناس: هذا أمر فيه صعوبة، وبايعه عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن على بن أبى طالب، وبعث إلى ابن عمر، وابن الحنفية، وابن عباس ليبايعوا فأبوا عليه.
وبويع فى رجب بعد أن أقام الناس نحو ثلاثة أشهر بلا إمام.
وبعث ابن الزبير إلى أهل الكوفة عبد الرحمن بن يزيد الأنصارى على الصلاة، وإبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله على الخراج، واستوثق له المصران جميعا، وأرسل إلى مصر فبايعوه.
واستناب عليها عبد الرحمن بن جحدر، وأطاعت له الجزيرة، وبعث على البصرة الحارث بن عبد الله بن ربيعة، وبعث إلى اليمن فبايعوه، وإلى خراسان فبايعوه، وإلى الضحاك بن قيس بالشام فبايع.
وقيل: إن أهل دمشق وأعمالها من بلاد الأردن لم يبايعوه، لأنهم بايعوا مروان بن الحكم لما رجع الحصين بن نمير من مكة إلى الشام.
وقد كان التف على عبد الله بن الزبير جماعة من الخوارج يدافعون عنه، منهم: نافع بن الأزرق، وعبد الله بن أباض، وجماعة من رؤوسهم.
فلما استقر أمره فى الخلافة قالوا فيما بينهم: إنكم قد أخطأتم لأنكم قاتلتم مع هذا الرجل ولم تعلموا رأيه فى عثمان بن عفان - وكانوا ينتقصون عثمان - فاجتمعوا إليه فسألوه عن عثمان فأجابهم فيه بما يسوؤهم، وذكر لهم ما كان متصفا به من الإيمان والتصديق، والعدل والإحسان والسيرة الحسنة، والرجوع إلى الحق إذا تبين له.
فعند ذلك نفروا عنه وفارقوه وقصدوا بلاد العراق وخراسان، فتفرقوا فيها بأبدانهم وأديانهم ومذاهبهم، ومسالكهم المختلفة المنتشرة، التى لا تنضبط ولا تنحصر، لأنها مفرعة على الجهل وقوة النفوس، والاعتقاد الفاسد، ومع هذا استحوذوا على كثير من البلدان والكور، حتى انتزعت منهم .