تمر اليوم الذكرى الـ13 على رحيل الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش، إذ رحل عن عالمنا فى 9 أغسطس عام 2008، وهو أحد أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب والعالميين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن. ويعتبر درويش أحد أبرز من ساهم بتطوير الشعر العربى الحديث. فى شعر درويش يمتزج الحب بالوطن بالحبيبة الأنثى، وقام بكتابة وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطينى التى تم إعلانها فى الجزائر.
تنقل الشاعر الراحل بين عدة محطات فى مسيرته بين موسكو والقاهرة وبيروت، لكن ماذا قال شاعر الأرض المحتلة عن حياته فى القاهرة؟.
يتحدث درويش عن القاهرة، محطته الثانية بعد الخروج من الوطن فيقول: "الدخول إلى القاهرة كان من أهم الأحداث فى حياتى الشخصية. فى القاهرة ترسخ قرار خروجى من فلسطين وعدم عودتى إليها. ولم يكن هذا القرار سهلاً. كنت أصحو من النوم وكأننى غير متأكد من مكان وجودي.. أفتح الشباك وعندما أرى النيل أتأكد من أننى فى القاهرة. خامرتنى هواجس ووساوس كثيرة، لكننى فتنت بكونى فى مدينة عربية، أسماء شوارعها عربية والناس فيها يتكلمون بالعربية. وأكثر من ذلك، وجدت نفسى أسكن النصوص الأدبية التى كنت أقرأها وأعجب بها. فأنا أحد أبناء الثقافة المصرية تقريباً والأدب المصري. التقيت بهؤلاء الكتّاب الذين كنت من قرائهم وكنت أعدّهم من آبائى الروحيين.
التقيت محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ وسواهما، والتقيت كبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم. ولم ألتق بأم كلثوم وطه حسين، وكنت أحب اللقاء بهما".
يضيف: "عيّننى محمد حسنين هيكل مشكوراً فى نادى كتّاب "الأهرام"، وكان مكتبى فى الطابق السادس، وهناك كان مكتب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وبنت الشاطئ. وكان توفيق الحكيم فى مكتب فردى ونحن البقية فى مكتب واحد. وعقدت صداقة عميقة مع محفوظ وإدريس، الشخصيتين المتناقضتين: محفوظ شخص دقيق فى مواعيده، ومنضبط، يأتى فى ساعة محددة ويذهب فى ساعة محددة. وكنت عندما أسأله: هل تريد فنجان قهوة أستاذ نجيب؟.. كان ينظر إلى ساعته قبل أن يجيب، ليعرف إن كان حان وقت القهوة أم لا.. أما يوسف إدريس، فكان يعيش حياة فوضوية، وكان رجلاً مشرقاً. وفى القاهرة صادقت أيضاً الشعراء الذين كنت أحبهم: صلاح عبد الصبور وأحمد حجازى وأمل دنقل. كان هؤلاء من الأصدقاء القريبين جداً. وكذلك الأبنودي. كل الشعراء والكتاب الذين أحببتهم توطدت علاقتى بهم. والقاهرة كانت من أهم المحطات فى حياتي.
فى القاهرة تمّت ملامح تحوّل فى تجربتى الشعرية وكأن منعطفاً جديداً يبدأ.
كان يُنظر إلى عندما كنت فى الأرض المحتلة كونى شاعر المقاومة. وبعد هزيمة 1967 كان العالم العربى يصفق لكل الشعر أو الأدب الذى يخرج من فلسطين، سواء كان رديئاً أم جيداً. اكتشف العرب أنّ فى فلسطين المحتلة عرباً صامدين ويدافعون عن حقهم وعن هويتهم. اكتسبت إذاً النظرة إلى هؤلاء طابع التقديس، وخلت من أى ذائقة أدبية عامة. هكذا أُسقطت المعايير الأدبية عن نظرة العرب إلى هذه الأصوات المقاومة بالشعر والأدب فى الداخل. ومن القصائد المهمة التى كتبتها فى القاهرة قصيدة "سرحان يشرب القهوة فى الكفاتيريا" ونشرت فى صحيفة "الأهرام" وصدرت فى كتاب "أحبك أو لا أحبك".