يتذكر العالم فى شهر أغسطس الذكرى الـ76 على قيام الولايات المتحدة بإسقاط قنبلة ذرية أطلق عليها اسم الولد البدين على مدينة ناجازاكى أودت بحياة من 60000 إلى 80000 نسمة، حيث مات ما يقرب من نصف هذا الرقم فى نفس اليوم الذى تمت فيه التفجيرات، ومن بين هؤلاء، مات 15-20٪ متأثرين بالجروح أو بسبب آثار الحروق، والصدمات، والحروق الإشعاعية، يضاعفها الأمراض، وسوء التغذية والتسمم الإشعاعي.
ويعتقد أن الحجة التى قامت بها الولايات المتحدة بقصف مدينتى هيروشيما وناجازاكى باستخدام قنابل ذرية بسبب رفض تنفيذ إعلان مؤتمر بوتسدام وكان نصه أن تستسلم اليابان استسلاما كاملا بدون أى شروط.
ووفقا لبول هام، الصحافى الأسترالي، مؤلف كتاب "هيروشيما.. ناجازاكى"، من تقرير لأجهزة الاستخبارات الأميركية، التابعة لسلاح الجو الأمريكي، أما زمنها فهو فى الفترة القصيرة التى سبقت قصف مدينتى هيروشيما وناجازاكي، بالقنابل الذرية، فى مطلع شهر أغسطس من عام 1945، ما وضع حداً نهائياً للحرب العالمية الثانية، مع إعلان اليابان استسلامها.
ويجد المؤلف أن دلالة الجملة واضحة، وهى أن الأمريكيين أرادوا وضع نهاية لحرب كونية نشبت منذ عام 1939، تلقّت فيها مدن استراتيجية، كبرى، مثل لندن وروما وبرلين ودرسون وموسكو، أطناناً من القنابل، وبهذا المعنى كان السكان المدنيون أحد الأهداف الأساسية فى تلك الحرب.
وكان إلقاء القنابل الذرية على هيروشيما وناجازاكي، بمثابة تعبير عن ضراوة تلك الحرب الشاملة. وكانت الخسائر، كما يقدمها المؤلف، حوالى 180000 ضحية، بين قتيل وجريح، خلال الأيام التى عرفت إلقاء القنابل على المدينتين.
ومن ثم عشرات الآلاف من الضحايا، فى الأسابيع والأشهر والسنوات اللاحقة، بسبب تعرّضهم إلى الإشعاعات الذرية. وهنا يفتح المؤلف قوسين ليسأل: هل هذه الوسائل تبرر غاية وضع حد نهائى للحرب العالمية الثانية؟ وهل كان ينبغى إلقاء القنابل أصلاً؟ والإجابة على هذين السؤالين تمثل صميم كتاب "هيروشيما وناغازاكي".
ويبين بول هام، أنه حتى فى هذا الزمن، والذى تواجه فيه البشرية تحديات تغيّر المناخ والإرهاب وموجات الانتحاريين، وكل ما يحمل فى طياته التهديد بتدمير الإنسانية، إنما هى تهديدات لا تعادل سوى القليل من ما تمثله القنبلة الذرية، وغيرها من أسلحة الدمار الشامل.
ثم إن "تهديد الوجود" ارتبط واقعياً مع اختراع السلاح النووي. ويشير المؤلف إلى أن التبريرين المقدّمين من السلطات الأميركية آنذاك، خلال قصف المدينتين اليابانيتين بالقنبلة النووية، والمتمثلين فى القول ان القصف بالسلاح النووى كان ضرورياً من أجل استسلام اليابان.
ومن أجل البرهان على السيطرة النووية الأمريكية فى مواجهة الاتحاد السوفييتى السابق، يمثلان أكاذيب واضحة. لا شك أن كتباً كثيرة جعلت من القنبلة الذرية الأميركية على هيروشيما وناغازاكي، موضوعاً لها. كما ناقشت أسبابها ونتائجها وآثارها، لكن لعل الكتاب أحد أكثرها شمولاً فى شرح الخلفيات والأسباب الحقيقية لذلك.
ويدرس المؤلف فى الفصل الأخير من الكتاب، الأسباب العميقة التى كانت وراء حالة الرعب التى عاشتها المجموعة الدولية والرأى العام الأمريكى والعالمي، جراء قصف هيروشيما وناغجازاكي، مسلطاً الضوء على حقيقة الرعب الذى عرفه العديد من أولئك، الذين أسهموا فى صناعة القنابل الذرية، التى جرى استخدامها. ولا يتردد المؤلف فى القول بأن هؤلاء كانوا على وعى تام بقدرتها التدميرية.
مع الإشارة إلى أنهم لم يبدوا أى إحساس بالذنب، وأنه ليس فى محاضر الاجتماعات العلمية ما يشير إلى أن أحدهم أثار مسائل ذات طبيعة أخلاقية أو إنسانية، يمكن أن تترتب على قصف مدينة وتدميرها. فهم كانوا منخرطين فى حرب ضد بلاد آمنوا بأنها تمثل كل العداء بالنسبة إليهم. ومن ثم، وبهذا، جرى استهداف المدنيين اليابانيين بكل وعي. فكانت مجزرة جرى التخطيط لها من قبل غير الذين نفذوها.