تمر اليوم ذكرى وقوع معركة حارم التى وقعت فى 22 رمضان 559 هـ / 12 أغسطس 1164 م ما بين جيش نور الدين زنكى، وتحالف ضم كلا من كونتية طرابلس وإمارة أنطاكية والإمبراطورية البيزنطية والأرمن، وحقق فيها نور الدين زنكى نصرا ساحقا، وتم أسر معظم قادة التحالف الصليبى.
وكانت بداية المعركة، بعد هزيمة نور الدين زنكى سنة 1163م فى معركة البقيعة عندما جمع عساكره ودخل بلاد الفرنجة ونزل فى سهل البقيعة تحت حصن الأكراد محاصرًا لها، عازماً على قصد طرابلس وأخذها، فباغته الفرنجة نهاراً وبأعداد ضخمة فى معركة البقيعة وكاد أن يقتل نور الدين فيها إلا أنه استطاع أن ينجو على فرسه حتى نزل على بحيرة قدس بالقرب من حمص فى موضع يبعد أربعة فراسخ عن مكان المعركة.
لم يعبأ نور الدين بهزيمته أمام الفرنجة سنة 558 هـ، فى معركة البقيعة، التى باغتوه فيها وأوقعوا بالمسلمين مقتلة عظيمة وهم آمنون، حيث هجم عليهم الفرنجة حتى قبل أن يتمكنوا من ركوب الخيل أو أخذ السلاح، وأكثروا فيهم القتل والأسر، فنزل نور الدين عند بحيرة "قدس" بالقرب من حمص فى موضع يبعد أربعة فراسخ عن مكان المعركة، ولحق به من نجا من الجند حتى اجتمعوا به، فقال يومئذ: "والله لا أستظل بسقف حتى آخذ بثأرى وثأر الإسلام".
جاء فى كتاب "الكامل فى التاريخ" لابن الأثير 9/308: "فى هذه السَّنة، فى شهر رمضان، فتح نور الدين محمود بن زنكى قَلعة حارم من الفرنج، وسبب ذلك أن نور الدين لما عاد منهزماً من البقيعة، تحت حصن الأكراد، كما ذكرناه قبل، فرق الأموال والسلاح، وغير ذلك من الآلات، فَعاد العسكر كأنهم لم يصابوا وأخذوا فى الاستعداد للجهاد والأخذ بثأره".
دعم نور الدين محمود الوزير شاور، وأرسل معه أسد الدين شيركوه أبرز وأقوى قادته، ومعه ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي، الذى سيصبح بعد عشرين عاماً البطل الأول فى العالم الإسلامى لقرونٍ طويلة، واستطاع شيركوه أن يعيد شاور للوزارة ويقتل ضرغام، لكن شاور ما إن تمكن من الوزارة حتى غدر بشيركوه وطلب منه الرحيل واستعان بملك بيت المقدس الصليبى عليه.
وأثناء سيره للمعركة كان نور الدين يلعب لعبة سياسية كبيرة، فالثمرة الناضجة التى ستقلب موازين القوى تماماً فى تلك الحرب هى الدولة الفاطمية فى مصر، ولو استطاع جيش مملكة بيت المقدس هزيمة أسد الدين شيركوه ودخل القاهرة لكانت هزيمةً أشدّ وقعاً على كلّ المسلمين، فوقوع مصر تحت السيطرة الصليبية معناها طول مدة الاحتلال الصليبى فى المشرق الإسلامى.
استدرج الجيش المسلم سلاح الفرسان الصليبي، فهجم جيش الفرسان على ميمنة الجيش المسلم، تقهقرت الميمنة سريعاً فظنّ الفرسان أنهم يحققون نصراً سريعاً، لكنّ الجيش المسلم التفّ على سلاح الفرسان وفرّقهم عن بقية جيشهم من المشاة، فكثر القتل فى جيش الصليبيين حتّى توقّف المسلمون عن القتل وبدئوا فى الأسر.
يحكى لنا ابن الأثير فى كتابه الكامل أنّ المسلمين قد "أسروا ما لا يُحدّ، وفى جملة الأسرى صاحب أنطاكية والقمص صاحب طرابلس، وكان شيطان الفرنج، وأشدهم شكيمةً على المسلمين، والدوك مقدِّم الروم، وابن جوسلين، وكانت عدة القتلى تزيد على عشرة آلاف قتيل".
هكذا انتهت المعركة بهزيمة ثلاث ممالك صليبيّة على يد نور الدين محمود. وقد أخذ نور الدين حارم وما حولها من قلاعٍ وحصون، ودخل ميناء وقلعة بانياس الاستراتيجية أيضاً.