"كلام أبيح جدا" للكاتب يوسف معاطى، كتاب يتناول الأمور بشكل مختلف، ستظن فى البداية أن قدرا كبيرا من الكلام الخارج سوف يصطدم بأذنيك طوال فترة القراءة التى ستقضيها مع الكتاب، لكنك سرعان ما تكتشف أن قاموس الكلام الأبيح ضم مصطلحات جديدة أهمها الضرائب والانتخابات النزيهة، فهى على الرغم من كونها كلمات ليست سيئة لكننا لا نحب سماعها، لذا لا تحكم على الكتاب من مجرد قراءة المقدمة.
فى هذا الكتاب يقدم يوسف معاطى منعطفاً جديداً فى الكتابة الساخرة، حيث يتطرق إلى أجواء جديدة، نمر عليها مرور الكرام ولا تلفت نظرنا، فيما يقف هو أمامها طويلاً، فيدخل بنا إلى ما يمكن أن نطلق عليه عش الدبابير، ويضع يده على الازدواج الأخلاقى الذى تفشى فى المجتمع المصرى، حيث صارت له حياتان، الأولى سرية يمارسها باستمتاع، والأخرى علنية يعيشها مهموماً من كل شىء ساخطاً على وجوده، يقول كلاماً فى الشارع والعمل والمنزل، ولا يتقبله حين يسمعه من آخرين، فى مسلسل أو فيلم أو يقرأه فى مقال.
وهذا الكلام الذى يتفوه به رجل الشارع لا يستطيع الكاتب أن يكتبه، ولو كتبه لصادرت الرقابة كتبه ومنعت مقالاته، فصار الازدواج مضاعفاً، الناس يتحدثون لغة، والكتاب يكتبون لغة أخرى، حفاظاً على أخلاقيات مجتمع غير أخلاقى أصلاً، ورغم تلك الثورة الأخلاقية على الكلام "الأبيح" فى الفن والصحافة ووسائل الإعلام، لا يوجد أى رد فعل تجاه الأفعال "الأبيحة" المنتشرة فى مجتمعنا، ورغم أننا نتأفف جميعاً حينما نسمع الكلام "الأبيح"، فى فيلم أو مسلسل، فإن له- مع ذلك- جاذبية فى حياتنا، فكيف نحل هذة المعضلة الأخلاقية- الفنية المزدوجة.
فى بداية الكتاب يهدى "معاطى" الكتاب لبعض أصحاب (الكلام الأبيح) فى مصر، يقول "إلى ذلك المواطن المخنوق من الروتين والذى أخرج من فمه (صفيحة زبالة) بعد ما اتخنق و فاض به، إلى تلك المرأة التى خلعت شبشبها وانهالت على زوجها به مصحوبا بأقذع الألفاظ والشتائم التى تتناول أدق خصوصيات علاقتهما الزوجية، الى كل لسان زفر.. إلى كل هؤلاء الذين يستخدمون أنوفهم وأصابعهم و لغة أجسادهم للتعبير عن الخنقة.. إلى كل هؤلاء المخنوقين.. السفلة.. المنحطين، على حد تعبير الكاتب.
ثم تأتى مقدمة الكتاب بعد الإهداء وهى مقدمة غاية فى الأهمية، حيث يطرح الكاتب قضية الازدواجية والتناقض بين لغتنا التى نتحدث بها فعليا بما تتضمنه من (أباحة) و بين لغتنا الراقية التى نقرأ و نكتب بها و التى لا تتضمن أية أباحة على الإطلاق.
ويدلل الكاتب على هذه الازدواجية اللغوية بعبارة مثل (عاهرة تمارس الرزيلة فى بيت دعارة) و هى جملة أسلوبها راقى ورفيع.. لكن هذه الجملة مكتوبة باللغة العربية الفصحى التى لا نتحدث بها فعليا، فهل يستطيع الكاتب أن يكتب نفس هذه الجملة باللغة العامية؟.
ويتناول "معاطى" فى المقدمة أيضا مفارقات غاية فى الطرافة عن اختلاف معانى الكلمات بين البلاد العربية وبعضها ...فكلمة قد تكون شديدة (الأباحية) فى مصر مثلا إلا أنها كلمة عادية جدا وبريئة تماما فى تونس مثلا أو لبنان و بالطبع فمعناها هناك يختلف تماما عن معناها هنا.
لكن ما أن يبدأ الكتاب الفعلى بعد المقدمه حتى نجده لا علاقة له على الإطلاق لا باسم الكتاب ولا بمقدمته، فهو عبارة عن مجموعة مقالات من الأدب الساخر تناول السخرية من الأوضاع بشكل عام ومن النفاق و البيروقراطية الحكومية.