ينظر المسلمون إلى يوم عاشوراء نظرة تكبير يصومونه ويجلونه، لأن النبى محمد عليه الصلاة والسلام كان يصومه، لكنه فى الوقت نفسه يحمل معنى من الحزن لأنه اليوم الذى استشهد فيه سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين.
وتأتى قصة مقتل الإمام الحسين عندما بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة، وذلك لأنهم لا يريدون يزيد ولا أباه ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر، فهم لا يريدون إلا عليا وأولاده، وبلغت الكتب التى وصلت إلى الحسين أكثر من خمسمائة كتاب.
وبحسب كتب التراث الإسلامى ومنها "البداية والنهاية" لـ ابن كثير، أن الحسين أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل ليتقصى الأمور ويتعرف على حقيقة البيعة وجليتها، فلما وصل مسلم إلى الكوفة تيقن أن الناس يريدون الحسين، فبايعه الناس على بيعة الحسين وذلك فى دار هانئ بن عروة، ولما بلغ الأمر يزيد بن معاوية فى الشام أرسل إلى عبيد الله بن زياد والى البصرة ليعالج هذه القضية، ويمنع أهل الكوفة من الخروج عليه مع الحسين ولم يأمره بقتل الحسين، فدخل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة، وأخذ يتحرى الأمر ويسأل حتى علم أن دار هانئ بن عروة هى مقر مسلم بن عقيل وفيها تتم المبايعة.
فخرج مسلم بن عقيل على عبيد الله بن زياد وحاصر قصره بأربعة آلاف من مؤيديه، وذلك فى الظهيرة، فقام فيهم عبيد الله بن زياد وخوفهم بجيش الشام ورغبهم ورهبهم فصاروا ينصرفون عنه حتى لم يبق معه إلا ثلاثون رجلاً فقط، وما غابت الشمس إلا ومسلم بن عقيل وحده ليس معه أحد، فقبض عليه وأمر عبيد الله بن زياد بقتله فطلب منه مسلم أن يرسل رسالة إلى الحسين فأذن له عبيد الله، وهذا نص رسالته: ارجع بأهلك ولا يغرنّك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبونى وليس لكاذب رأى.
ثم أمر عبيد الله بقتل مسلم بن عقيل وذلك فى يوم عرفة، وكان مسلم بن عقيل قبل ذلك قد أرسل إلى الحسين أن أقدم، فخرج الحسين من مكة يوم التروية وحاول منعه كثير من الصحابة ونصحوه بعدم الخروج مثل ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وابن عمرو وأخيه محمد بن الحنفية وغيرهم. وهذا ابن عمر يقول للحسين: ( إنى محدثك حديثا: إن جبريل أتى النبى فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة منه، والله لا يليها أحد منكم أبداً وما صرفها الله عنكم إلا للذى هو خير لكم، فأبى أن يرجع، فاعتنقه وبكى وقال: استودعك الله من قتيل)، وروى سفيان بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال للحسين فى ذلك: (لولا أن يزرى - يعيبنى ويعيرنى - بى وبك الناس لشبثت يدى من رأسك، فلم أتركك تذهب )، وقال عبد الله بن الزبير له: (أين تذهب؟ إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟) وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: (عجّل الحسين قدره، والله لو أدركته ما تركته يخرج إلا أن يغلبني). (رواه يحيى بن معين بسند صحيح).
وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الذى أرسله مسلم، فانطلق الحسين يسير نحو طريق الشام نحو يزيد، فلقيته الخيول بكربلاء بقيادة عمرو بن سعد وشمر بن ذى الجوشن وحصين بن تميم فنزل يناشدهم الله والإسلام أن يختاروا إحدى ثلاث: أن يسيِّروه إلى أمير المؤمنين (يزيد) فيضع يده فى يده (لأنه يعلم أنه لا يحب قتله) أو أن ينصرف من حيث جاء إلى المدينة أو يلحق بثغر من ثغور المسلمين حتى يتوفاه الله. (رواه ابن جرير من طريق حسن) . فقالوا: لا، إلا على حكم عبيد الله بن زياد. فلما سمع الحر بن يزيد ذلك (وهو أحد قادة ابن زياد) قال: ألا تقبلوا من هؤلاء ما يعرضون عليكم ؟ والله لو سألكم هذا الترك والديلم ما حلَّ لكم أن تردوه. فأبوا إلا على حكم ابن زياد. فصرف الحر وجه فرسه، وانطلق إلى الحسين وأصحابه، فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلّم عليهم، ثم كرّ على أصحاب ابن زياد فقاتلهم، فقتل منهم رجلين ثم قتل رحمة الله عليه (ابن جرير بسند حسن).
وكانت المعركة غير متكافئة من حيث العدد، فقتل أصحاب الحسين كلهم بين يديه يدافعون عنه حتى بقى وحده، ولكنها الكثرة، وكان كل واحد من جيش الكوفة يتمنىَّ لو غيره كفاه قتل الحسين حتى لا يبتلي بدمه، حتى قام رجل خبيث يقال له شمر بن ذي الجوشن فرمى الحسين برمحه فأسقطه أرضاً فاجتمعوا عليه وقتلوه شهيداً سعيداً، ويقال أن شمر بن ذي الجوشن هو الذي اجتز رأس الحسين وقيل سنان بن أنس النخعي والله أعلم.