نواصل إلقاء الضوء على على "حياة المصريين" فى العصور المختلفة، وذلك عبر قراءة موسوعة مصر القديمة ونتوقف مع الجزء الحادى عشر: تاريخ مصر والسودان من أول عهد بيعنخى حتى نهاية الأسرة الخامسة والعشرين ولمحة فى تاريخ آشور.
يقول سليم حسن فى تمهيد الكتاب:
وصلنا فى الجزء السابق من هذه الموسوعة إلى أوائل حكم الفرعون "بيعنخى" بن الملك "كشتا" مؤسس الأسرة الخامسة والعشرين، وقد تولى "بيعنخى" الحكم بعد والده حوالى عام 751ق.م، فى "نباتا" عاصمة ملكه فى بلاد "كوش"، غير أنه لم يحضر إلى مصر إلا فى عام 720ق.م، عندما أراد أحد أمراء مصر العظماء المسمى "تفنخت" حاكم بلدة "سايس" (صا الحجر الحالية) وأعظم ملوك الدلتا أو حكامها أن يجلى الكوشيين عن بلاد مصر جملة، وقد التف حوله معظم الأمراء الإقطاعيين فى الدلتا ومصر الوسطى، وأخذ فى الزحف نحو الجنوب حتى وصل إلى بلدة الأشمونين ضامًّا إليه كل البلاد التى كانت فى طريقه فى أثناء زحفه، ولما رأى "بيعنخى" الخطر الذى يتهدد ملكه فى "مصر" سار على رأس جيش عظيم وأخذ فى محاربة "تفنخت" والتغلب عليه وعلى من والاه من الأمراء الإقطاعيين إلى أن استسلموا جميعًا، ودان له كل وادى النيل من "نباتا" حتى نهاية الدلتا، ولكنه لم يعمل على تثبيت أركان حكمه فى مصر بتعيين حكومة مركزية قوية؛ بل ترك الأمر للحكام الإقطاعيين، كل فى دائرة نفوذه.
ومن أجل ذلك قاموا باضطرابات كرة أخرى وشقوا عليه عصا الطاعة وعلى رأسهم "بوكوريس" خليفة "تفنخت" فى "سايس"، وكان "بيعنخى" على ما يظهر قد مات وتولى الحكم مكانه أخوه "شبكا" فحارب "بوكوريس" وانتصر عليه وقتله، كما يحدثنا بذلك الكُتاب الإغريق.
وتدل شواهد الأحوال على أن "شبكا" قد اتخذ "منف" عاصمة لملكه، ولم يتبع سياسة سلفه فى اتخاذ "نباتا" مقرًّا له، وقد أخذت الأحوال تتحسن فى البلاد المصرية بصورة مُحَسَّة، فإن الكوشيين والمصريين كانوا موحدين من حيث السلالة والدين، ولا غرابة فى ذلك، فإن الشعبين كانا يدينان بدين الإله "آمون رع" وينتسبون إلى السلالة الحامية كما فصلنا القول فى ذلك فى الجزء السابق من هذه الموسوعة.