صدر حديثا، الترجمة العربية لكتاب "تحيا الحياة" تأليف پينو كاكوتشي، وترجمة معاوية عبد المجيد.
وفى مقدمته للكتاب يقول مؤلفه "پينو كاكوتشي": بالنسبة إلي، كنت منذ زمن طويل أتعقب آثار الأشباح العظيمة مثل تينا مودوتى وناوى أولين، فوقع لقائى بفريدا منذ أوائل رحلاتى إلى المكسيك، حين كنت أقضى أياما بحالها فى البيت الأزرق الواسع لكى أتشرب أجواءه، وأدقق فى كل تفاصيله التى قد تساعدنى فى تصور أيام وليالى ساكنته التى لا مثيل لها.
وبعد عدة أعوام، اقترح على الصديق أندريا شنتاتزو أن أكتب نصا مسرحيا لأربع شخصيات: فريدا، دييجو، كريستينا وتروتسكي؛ وكان سيؤلف الموسيقى بنفسه، مشروع طموح لم يتحقق لسوء الحظ، على الرغم من التزام المنتج ماوريتزيو فيفيراتى، وبما أنى لم أشأ الإبقاء على تلك الأصوات فى الدرج، قررت أن أكثّفها فى صوت فريدا وحده.
وعليه فإنى ممتن للمشاورات التى أجريتها مع أندريا شنتاتزو لكى يرى هذا المونولوج النور، حيث كنا نلتقى فى مدينة بولونيا، فى بيته الريفي، ما بين رحلة وأخرى لكل منا، وبالأخص، كانت تعجبه فكرة أنّ المطر يشكِّل خلفيّةً لكلمات فريدا، وهكذا كان فى هذا المونولوج أيضًا.
فريدا هى روح المكسيك، تمثّل جذور أسلافه والتمسك العنيد بالحياة رغم كل شيء: ولدت تحت المطر فى بلد يتميز بزرقة سماواته وعلو مرتفعاته التى تهمين عليها أضخم البراكين، شهودا صامتين على آلام هذا البلد ومآسيه.
فى عام 2009، دعا المخرج جورجو جاليونى الممثّلة كيارا موتى لتأدية المونولوج على مسرح ليريتشي: وفى هذا الظهور اتّخذت فريدا صوتا وجسدا من موهبة كيارا موتى وأبهرت الجمهور. الكتابة عن فريدا تشمل ثلاثيّا من النساء كن بطلات مدينة المكسيك فى تلك الحقبة ذات الكثافة الإبداعية الفريدة من نوعها والمتمثلة بما بعد الثورة: تينا مودوتى وناوى أولين عرفتا وصادقتا فريدا، مع أن عقبات الأهواء السياسية والخيارات الفردية فرقت بينهن، لكن ذاكرة تلك الأعوام المضطربة ما زالت تربط بينهن فى مخيلتي، تتراءى لى تينا وفريدا وهما تتعارفان فى ساحة خلال إحدى المظاهرات، الأولى أنضج ولديها مثاليات أقوى ستجرفها إلى إقصاء موهبتها الفنيّة، والثانية التى أعشتها الهالة الثورية التى تكلل صديقتها، اعتمدتها قدوة تتبع – لكنها لن تتبعها، لأن أكلة لحوم البشر سيلتهمون طوباويات كل منهما – وفى أثناء ذلك أجد الثالثة ناوى منيعةً عن الأوهام السياسية ومستعدة لتسليم أمرها لأوهامها الخاصة، تدخل إلى بيت تينا وترى المرأتين بعينيها ذات اللمعان النادر والألوان المتقلبة، بينما تشعر فريدا بنفسها صغيرة ومتألمة ومرتبكة أمام جمالها المبهر... ثم يبين المصير والموهبة والفطرة أن فريدا تختزن قوة ذات إرادة سامية، ستجعلها نجمة لا تأفل، دون أن تطغى قوّتها على عنفوان المرأتين. مختلفات فى كل شيء، لكن روح المكسيك الموحدة تجمعهن فى خلال فترة شبابهنّ الأبديّة، لاسيّما أنّهن كُنَّ يتشاركن الحساسية والآلام والأحلام والخيبات والمحبّات والأحقاد.
ولد الكاتب پينو كاكوتشى عام 1955 ودرس الأدب والفلسفة فى جامعة بولونيا. تخصّص فى ترجمة الأدب الإسبانى وأدب أمريكا اللاتينيّة، لاسيّما الأدب المكسيكى حيث أقام فى المكسيك فترات طويلة وتشرَّبَ أجواء هذا البلد. ترجم أعمالًا عديدة لكتّابٍ مرموقين مثل مانويل ريباس، وريكاردو بيجليا، وفرنسيسكو كولواني، وكلاوديا بينييرو، ورفاييل شيربيس، وغيرهم كثر. كرَّمه المركز الثقافى الإسبانى فى روما ثربانتس عن مجمل ما قدَّمه فى مجال الترجمة عن الإسبانية عام 2003. كما ألّف روايات عديدة حاز معظمها على جوائز مهمّة وتقدير واسع، مثل جائزة مايستفيست عام 1988، وجائزة أفضل روبرتاج أجنبى عن المكسيك عام 1997، وجائزة إمليو سالجارى عن أدب المغامرات عام 2010، وجائزة مينرفا الأدبيّة عام 2012. ومن رواياته نذكر: آوتلاند روك، غبار المكسيك، لا ندم فى جميع الأحوال، ميناء إسكونديدو، قلب مفرط، الحيتان تعلم، لا أحد يأتيك بزهرة... وغيرها. وقد عمل فى إعداد سيناريوهات لمسلسلات تلفزيونيّة وأفلام سينمائيّة حتّى مدحه المخرج الإيطالى الشهير فيديريكو فيلّينى قائلًا: "كاكوتشى حِرَفى بارع، صانعٌ ماهرٌ للحبكات والأجواء والشخصيّات".