لم يثر كتاب الضجة في عصره مثلما فعل كتاب "في الشعر الجاهلى" الذى كان أول كتاب لطه حسين، حيث صدر عام 1926 وكان طه حسين في السابعة والثلاثين من عمره، وفى هذا الكتاب فاجأ عميد الأدب العربى الأوسط الثقافية برأيه في الشعر الجاهلى، حيث قال إن أغلبه منتحل، ومصنوع في مرحلة ما بعد ظهور الإسلام مستشهدا بأنه على قلته لم يعبر عن واقع الحياة في تلك الفترة.
يقول طه حسين في كتابه: شككت في قيمة الأدب الجاهلى، وألححت في الشك، وانتهيت إلى أن الكثرة المطلقة مما نسميه أدباً جاهلياً، ليست من الجاهلية في شيء، إنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام، فهى إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهوائهم، أكثر مما تمثل حياة الجاهليين، وما بقي من الأدب الجاهلي الصحيح قليل جداً، لا يمثل شيئا، ولا يدل على شيء، ولا ينبغى الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلى، فالشعر الذي ينسب إلى إمرئ القيس أو إلى الأعشى أو إلى غيرهما من الشعراء الجاهليين لا يمكن من الوجهة اللغوية والفنية أن يكون لهؤلاء الشعراء، ولا أن يكون قد قيل وأذيع قبل أن يظهر القرآن، فحياة العرب الجاهليين ظاهرة في شعر الفرزدق وجرير وذى الرمة والأخطل والراعى أكثر من ظهورها في هذا الشعر الذي ينسب إلى طرفة وعنترة وبشر بن أبى خازم.
أثار كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي" معارضة شديدة لأنه يقدم أسلوباً نقدياً جديداً للغة العربية وآدابها، يخالف الأسلوب النقدى القديم المتوارث، هذه المعارضة قادها رجال الأزهر، واتهم طه حسين في إيمانه، وسحب الكتاب من الأسواق لتعديل بعض أجزائه، وقامت وزارة إسماعيل صدقى باشا عام 1932م بفصله من الجامعة كرئيس لكلية الآداب، فاحتج على ذلك رئيس الجامعة أحمد لطفي السيد، وقدم استقالته، ولم يعد طه حسين إلى منصبه إلا عندما تقلد الوفد الحكم عام 1936، ومن أبرز المعارضين لما ورد في الكتاب كل من مصطفى صادق الرافعى ومحمد لطفى جمعة، وشيخ الأزهر آنذاك محمد الخضر حسين.
كما قاضى عدد من علماء الأزهر طه حسين إلا أن المحكمة برأته لعدم ثبوت أن رأيه قصد به الإساءة المتعمدة للدين أو للقرآن، فعدل اسم كتابه إلى "في الأدب الجاهلي" وحذف منه المقاطع الأربعة التي أخذت عليه.