نلقى الضوء على كتاب "شفاء النفس" لـ يوسف مراد، فعلى على مر العصورِ بحث الفلاسفة وعلماء النفس عن معنى السَّعادة، وطريقة الوصولِ إليها، وفى هذا الكتاب يتناول يوسف مراد أمورا مثل تعريف السَّعادة، وكيف يتعرَّف الإنسان على كوامن نفسِه ليصل بها إلى تلك السعادةِ المنشودة.
ويبحر الكتاب فى موضوعات مثل علم الصحة العقلية وفوائدِه، ويُناقش النُّفوس المريضةَ وأنواعَها، وتأثيرَ البيئةِ فى نُشُوء الانحرافاتِ النفسية، وتعريف المرض النفسى بوجهٍ عام، وطُرق العلاج، مَصحوبة بأهم مدارسِ العلاجِ النَّفسى، وعوامل الشفاءِ التى يجب توفيرُها للمريض.
ويقول الكتاب تحت عنوان "مشكلة السعادة":
لأحد الكُتَّاب الفرنسيين المعاصرين — كليمان فوتيل — قصة طريفة شائقة تستهوى القارئ من مطلعها وتحمله على مواصلة القراءة بشغف متزايد؛ لما حوته من أساليب التهكم؛ ولما تضمنته من فلسفة مُرَّة، وعنوان الكتاب وحده كفيل باستدراج القارئ؛ إذ يحمل بين طياته فتنة ساحرة لا يكاد أحد يقوى على مقاومتها، وهذا العنوان هو "العودة إلى الفردوس".
ومدار القصة أن عالمًا هولنديًّا من أساتذة الاجتماعيات الخلقية قصد يومًا إلى أحد أصحاب الملايين الفرنسيين وقدَّم له مجلدًا ضخمًا ضمَّنه بحوثه عن الفردوس الذى كان ينعم فيه آدم وحواء قبل أن يأكلا من ثمار شجرة معرفة الخير والشر، وكان الثرى يعيش عيشة مملَّة قاتمة رغم ما توفر له من أسباب الترف والبذخ، ولم تكن الآيات الفنية الرائعة التى كان يبذل المال بسخاء فى سبيل اقتنائها لتبعث فى قلبه المظلم وميضًا من الفرح والاغتباط.
فأثبت له العالِم أنه اكتشف بالقرب من سواحل مصر الشمالية جزيرة غنَّاء هى الجنة الأرضية المفقودة، وأقنعه بأن يشترى الجزيرة ويقيم وبعض رفاقه المنتخبين فى هذا الفردوس بعيدًا عن ضوضاء المدنية وصخبها؛ فراقت الفكرة صاحبنا واستهوته طرافتها وأخذ يقنع رفاقه — وهم أعضاء "نادى النورستانيا" — بأن ينضموا إليه فى هذه الرحلة إلى عالم السعادة والهناء، غير أنه وجد فى بادئ الأمر مشقَّة كبرى فى إقناعهم، فقد ثاروا عليه وهو رئيسهم وهدَّدوه بعزله من الرئاسة، لأنه خرج على قوانين النادى بإبداء رأى غريب طريف قد يدعو إلى المرح والعبث، وكان السبب الحقيقى الدفين لما أبداه هؤلاء النورستانيون من المقاومة بإزاء الفكرة الجديدة أنهم وجدوا فى مرضهم النفسانى سلوى كبيرة ومبررًا قويًّا لتجنب كل تبعة مهما كانت يسيرة.
ولنترك هؤلاء القوم يسعون فى تحقيق غرضهم الخيالي، ولنرثُ لحالهم إذ إن تجربتهم انتهت بالملل والفوضى، فإنهم لم يفروا من داء إلا للوقوع فى داء آخر، إذ إن نِشْدان الأوهام ونكران قدسية العمل والانفصال عن المجتمع وانطواء النفس على ذاتها كل هذا من ضروب الفرار من الواقع ومن أدلة العجز عن مواجهة مشاكل الحياة بطريقة صريحة جدية، ولكن لهذه القصة مغزيان يجدر الإشارة إليهما، أحدهما صريح من اليسير إدراكه وإقرار صحته، والآخر خفى يعزُّ على الأغلبية الكبرى الاعتراف به. والحقيقة الأولى التى لا جدال فيها هى أن الرغبة الملحَّة فى تحقيق ما يبدو أنه السعادة الكبرى قد فُطِرَت فى طبيعة الإنسان، وهو لا يفتأ يبغيها وينشدها بشتى الوسائل، أما الحقيقة الثانية وهى التى لا تنجلى إلا بعد بحث طويل شاق وفى ثنايا تجارب تصهر فى لظاها القلوب فهى أننا نجهل غالبًا كيفية تحقيق السعادة ونأبى الاعتراف بجهلنا.