لم يذكر نجيب محفوظ الفتوات على عجل فى رواياته بل خصص لهم رواية وهى "الحرافيش"، والتى تناولت عالم الحرافيش وتحولت بعدها إلى فيلم سينمائى، غير أن سيرة الحرافيش عند نجيب محفوظ ارتبطت دائما بحكاية محورية وهى الحرفوش رقيق الحال الفقير العادل الذى يتحول إلى فتوة ويحقق العدل بين الناس بعدما لاقاه من ظلم، وهو ما يظهر بشكل واضح فى شخصية عاشور الناجي الذى ينصر الفقير ويوقف الظالم عند حده ويعيد الحقوق لأصحب الحقوق.
وأثرت البيئة التي نشأ فيها نجيب محفوظ من ناحية كونها بئية شعبية ومن ناحية أنها بيئة تواجدت فيها فئات معينة وظهرت في أغلب روايات نجيب محفوظ وهى فئات الصعاليك والحرافيش والفتوات.
لننظر مثلا إلى اللص والكلاب واحدة من أفضل روايات نجيب محفوظ، لقد كان الصعلوك فيها بطلا وإن تحول إلى مجرم فقراء الرواية فى الأغلب الأعم تعاطفوا مع سعيد مهران، كما أن جمهور السينما تعاطف للغاية مع سعيد مهران، وهنا علينا أيضا أن نذكر أن جمهور السينما لدى عرض الفيلم كان يتعاطف بشدة مع البطل فى اللقطات التي يقترب فيها البوليس من سعيد مهران الصعلوك الشعبى الذى تحول إلى مجرم نتيجة الغدر به من زوجته وأصدقائه.
ويجيد نجيب محفوظ رسم الشخصيات التي هي مثل سعيد مهران ببراعة فائقة كما رسم مثلا شخصية أنيس زكى فى رواية ثرثرة فوق النيل، فالشخصيات النفسية ذات الطبيعة المركبة داخليا ملعب من ملاعب نجيب محفوظ التي يحب جدا اللعب الروائى بها، وهو ما يتضح فى رد الفعل لدى المتلقى الذى لا يعرف كيف يكون موقفا ويؤلف حكما على هذه الشخصيات الدسمة ذات المتناقضات غير أنه فى النهاية يحب هذه الأيقونات الروائية، وعلى رأسها بالطبع سعيد مهران الذى يعد بلا منازع واحدا من أكثر أبطال الروايات شعبية في مصر والوطن والعربى وأكثر تأثيرها.
والمثال واضح في رواية دفاتر الوراق لجلال برجس الصادرة حديثا والفائزة بالبوكر هذا العام ففى هذه الرواية يبرز سعيد مهران كتيمة أساسية تؤثر في البطل المهزوم بالرواية والذى تتشابه ظروفه مع ظروف سعيد مهران، ومن هنا يمكن القول إن نجيب محفظ لم يضع لبنة شخصية روائية بل وضع أيقونة تمثل نوعا من الشخصيات المتكررة كثيرا في أوطاننا – الحائرة بين الماضى والحاضر، وبين الهزيمة والاستغراق فيها.