واحد من بين الأسماء المثيرة للجدل فى التاريخ المصرى، هو شخصية خاير بك الجركسى، أحد أمراء المماليك الجراكسة، وهو أول حاكم لمصر تحت السلطة العثمانية وآخر وال مملوكى فى حلب.
ويرجع الجدل حول شخصية "خاين بك" كما أطلق عليه المصريون، بعدما وافق على العمل سرا لدى السلطان سليم الأول، فحاول أن يثنى السلطان المملوكى قانصوه عن الخروج لمواجهة العثمانيين محاولا إقناعه بأنهم يريدون فقط الدولة الصفوية، وليس هناك خطر على مصر، وقد عينه السلطان الغورى لقيادة ميسرة جيش المماليك.
وتمر اليوم الذكرى الـ505، على سيطرة العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول على حلب – التى كان يتولاها خاير بك - بعد أيام من انتصارهم على المماليك فى معركة مرج دابق، وذلك فى 28 أغسطس عام 1516م.
بحسب المراجع التاريخية، فإنه بعدما قُبض على آخر ملوك المماليك "طومان باى" وقتله، أصبح خاير بك أول حاكم على مصر فى العصر العثمانى مكافأة له على خيانته، ليُطلق عليه المصريون لقب "خائن بيك"، وهو نفس اللقب الذى أطلقه عليه السلطان العثمانى سليم الأول أيضاً.
كره المصريون خاير بك، بسبب ظلمه، فكان عهده يمتاز بالقسوة والعنف وساءت فيه أحوال البلاد، وقد هان القتل فى عهده حتى طال الصغار.
ويعدد ابن إياس فى كتابه "بدائع الزهور"، فيقول إنه كان جباراً عنيداً، سافكاً للدماء، قتل العديد من الخلائق، وقد اخترع طريقة للقتل أطلق عليها "شك الباذنجان"، فكان يتم القتل بإدخال الخازوق فى الأضلاع، وكان كثيراً ما يسكر، ويذهب عقله، ويحكم على الناس وهو فى هذا الحال.
ويقول ابن إياس فى كتابه "بدائع الزهور فى وقائع الدهور"، إنه عندما اشتد المرض به لزم الفراش وأُصيب بالشلل التام، وأصابته 3 أمراض حتى أن الأطباء احتاروا فى علاجه، وظن الوالى الخائن أن إنفاقه لماله سيشفيه، فلجأ للتصدق على الأطفال فى الكتاتيب بمنحهم الفضة ليدعوا له بالشفاء، ويضيف ابن إياس "كان يشترى الدعاء بماله".
ولما اشتد به المرض أعتق جواريه ومماليكه، وأفرج عن كل من سجنهم ظلماً، ووزع الحبوب والغلال على المحتاجين والفقراء، فأخرج 10 آلاف أردب من القمح للتوزيع، وبنى مسجده.
ويوضح ابن إياس: لم ير الناس أحسن من هذه الأيام فى عهده، فجاد على الناس وبر الفقراء، ولم يعرف الله إلا وهو تحت المرض.
وتقول الروايات التاريخية إن أحداً لم يقرأ عليه الفاتحة بعد وفاته فى 1522 ميلادية، لما ساد فى عصره من ظلم، وترددت الروايات المتداولة بعد وفاته أفادت بأن الناس كانوا يسمعون صرخاته داخل قبره ليلاً، حتى ضجوا من ذلك.
أما مسجده فربما يكون من سخرية القدر وعدالة السماء فإن المعمارى الذى أقام مسجده قد أخطأ فى اتجاه القبلة، لذا لم يُصلِ فيه المسلمون يوماً منذ بنائه قبل نحو 5 قرون.