يصف الأديب العالمى نجيب محفوظ حياته قبل الزواج بأنه لم يفكر فى الزواج ظنًا منه أن قيود الزواج ومسئولياته ستعطله عن التفرغ والتركيز فى الكتابة والأدب، فماذا حدث وأدى إلى تغيير رأيه فى الزواج ونظرته للمرأة، هذا هو ما حاول الإجابة عليه صاحب نوبل فى حواره المطول مع الناقد الكبير رجاء النقاش، ونشره الأخير فى كتاب "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ رجاء النقاش".
يحكى الأديب العالمى والذى تمر اليوم ذكرى رحيله الخامسة عشر، "في أيام طفولتي بالجمالية كان الأولاد والبنات يلعبون معاً، وكانت الصداقة الطفولية تستمر بينهم إلى أن تصل البنت إلى بداية مرحلة المراهقة فتجلس في البيت ولا تلعب مع الأولاد. في ذلك الجو المفعم بالبراءة والطهارة عشت قصة حب ساذجة وبريئة انتهت بانتقالنا إلى حي العباسية، ولما دخلت مرحلة البلوغ استرعت انتباهي بنت الجيران التي بهرتني بجمالها بعدما رأيتها تلعب مع البنات في الشارع، وكنت ألعب مع الأولاد، ورغم هذا الإعجاب فلم أستطع التحدث إليها مباشرة. وبمرور الأيام بدأت محبوبتي تبادلني النظرات، وتطورت العلاقة من النظرة إلى الإشارة فكنا نتبادل الإشارات من شبابيك غرفنا المتقابلة".
ويحكى عن فترة شبابه الفترة التي سبقت زواجه عاش بنص كلامه: "كنت من رواد دور البغاء الرسمي والسري، ومن رواد الصالات والكباريهات، ومن يراني في ذلك الوقت يتصور أن شخصاً يعيش مثل هذه الحياة المضطربة، وتستطيع أن تصفه بأنه حيوان جنسي لا يمكن أن يعرف الحب والزواج. كانت نظرتي إلى المرأة في ذلك الحين جنسية بحتة، ليس فيها أي دور للعواطف أو المشاعر، وإن كان يشوبها أحياناً شيء من الاحترام، ثم تطورت هذه النظرة وأخذت في الاعتدال بعدما فكرت في الزواج والاستقرار".
أما عن أسباب تأخر زواجه، يقول: "كانت والدتي تقوم بكل مطالبي من طعام وغسيل وكي، فكانت حياتي في المنزل منظمة، أعود لأجد كل شيء كما أريده" والسبب الآخر يذكره نجيب محفوظ عرضاً وهو يحكي عن تجربته: "كثير من زملائي الذين تزوجوا على أساس الحب الرومانسي فشلوا"، ومع تكرار قصص حبه التي تنتهي من دون زواج، كان محفوظ يبتعد أكثر فأكثر عن فكرة الدخول في مغامرة الزواج.
أما السبب الأهم فهو تخوف نجيب محفوظ المزمن من أن يؤثر زواجه في مشروعه الأدبي، وقد ذكر ذلك بأكثر من صيغة وفي أكثر من حوار، يقول مثلاً: "كنت في تلك الفترة أناقش نفسي في يومياتي التي كنت أواظب على كتابتها: هل أتزوج أم لا؟ وكنت أعتقد أن الزواج سيحطم حياتي الأدبية، وللأسف كان كلامي غير صحيح، فالحقيقة أن حياتي الزوجية ساعدتني، وليس العكس، واكتشفت أن الأديب "عايز حد جنبه، وقلبه عليه".
أما عن لقاؤه مع زوجته السيدة "عطية الله"، والأسباب جعلته يعدل عن قراره، بل ويسارع لإتمام الزواج، يقول: "كان أحد أصدقائي متزوجاً، ولزوجته أخت هادئة الطباع رقيقة المشاعر، فوجدت فيها ما أبحث عنه، إذ كانت متفهمة لطبيعة تكويني الشخصية واحتياجاتي ككاتب، فكانت الزوجة المناسبة لي من مختلف الوجوه، فوجدتني منجذباً إليها وكنت مشدوداً بهاجس يقول لي أنت لو لم تتزوج هذه المرة لن تتزوج أبداً".