تمر اليوم الذكرى الـ1386 على نجاح المسلمين بقيادة أبو عبيدة بن الجراح، وخالد بن الوليد بفتح مدينة دمشق، بعد حصار شديد دافع فيه الروم عن المدينة، ولكن ذلك لم يمنع من سقوطها وطلبهم الصلح، بعد أن اشتد خالد فى الحصار، فأجابهم أبو عبيدة إلى الصلح، وذلك فى 5 سبتمبر عام 635م.
انتقل المسلمون بقيادة أبى عبيدة من منطقة الأردن وبيسان إلى دمشق، آخذين الطريق الأقصر إليها، وكان هذا الحصار الرابع لدمشق، (كان الحصار الأول عندما جاءهم خالد من العراق، ثم انتقل لفتح بصرى، والثانى بعد عودته من فتح بصرى، ثم انطلق إلى أجنادين، وعاد بعدها مرة أخرى إلى حصار دمشق، حينما عزل خالد، وولى الأمر أبو عبيدة، ثم تركها وذهب إلى بيسان)، وهذا يؤكد أنها مدينة حصينة، وأن حامية الروم فيها قوية، ولكن هذه المرة تختلف حيث إن البلاد التى خلف المسلمين الآن أصبحت كلها إسلامية، فلا خوف من أن يأتيهم جيش رومى من خلفهم، وقد كان اهتمام الروم بدمشق راجعًا لأهميتها الخاصة، وهو ما يرصده لنا القزوينى فى (آثار البلاد وأخبار العباد) إذ يقول: "قصبة بلاد الشام (أى عاصمتها أو مدينتها الأساسية) وجنة الأرض لما فيها من النضارة وحسن العمارة، ونزاهة الرقعة وسعة البقعة وكثرة المياه والأشجار ورخص الفواكه والثمار".
ويقول الإصطخري: أَجَلُّ مدن الشام كلها دمشق وليس بالمغرب مكان أنزه منه (ويعدها من مدن المغرب لأنه من إيران)، ولهذا اهتم الروم بمدينة دمشق، ووضعوا حولها حصون ضخمة وعظيمة، حتى إن سور دمشق حتى اليوم لا تزال آثاره باقية، لِعِظمه وضخامة بناءه، وكان ارتفاع السور 6 أمتار، وعرضه 4 أمتار ونصف، وهو مبنى بالحجارة السميكة، وبه أبراج يبعد كل برج عن الآخر 15 مترا، وهذه الأبراج بها عيون يقذف منها الجنود الرماح والأسهم على من يقترب منها، وكان حول سور دمشق خندق عظيم، يحيط بدمشق كلها، إحاطة السوار بالمعصم، وكان هذا الخندق عريضًا بحيث يتعذر قفز الخيول من فوقه!! وكان عميقًا أيضًا.
تورد بعض كتب التاريخ (مثل كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر) نصًّا آخر للمعاهدة، هذا النص لا نجوزه، ومع ذلك فقد انتشر فى كتب المسلمين، ونشره المستشرقون، وفى سند هذه الوثيقة ثمانية مجهولون، واثنان ضعفاء، كما أن العهد ورد فى صيغته أنه من الروم لأبى عبيدة، يقول فى بداية العهد: (هذا من قائد الروم ومدينة دمشق إلى أبى عبيدة، أنه علينا) وهى أمور يقومون بها للمسلمين، وهذا مخالف لكل الصيغ التى جاءت فى تاريخ الحروب الإسلامية، فى الروم وفارس.. فقد كانت الصيغة تأتى دائمًا من الجانب المنتصر (المسلمين) للمهزوم (الروم).