نواصل سلسلة "حياة المصريين" ولا نزال نقرأ قصة الحضارة مع ول ديورانت، ونتعرف معًا على الحضارة المصرية القديمة، وكيف أن المصريين كانوا يرفضن دفن الزوجات والعبيد مع الميت، واستبدلوا ذلك بالفن والرسم على الجدران.
يقول ول ديورانت:
ولما كانت القرينة فى رأى المصريين الأقدمين صورة مصغرة للجسم نفسه فقد كان لابد من أن يقدم لها الطعام والكساء وما يلزمها من الخدمات بعد موت الجسد، ومن أجل هذا كانت تعد فى بعض المقابر الملكية دورات مياه لتنتفع بها الروح بعد فراق الجسد، وتحتوى بعض النصوص الجنازية فقرات تعبر عن قلق كاتبيها وخوفهم من أن تضطر القرينة إذا أعوزها الطعام إلى أن تطعم من فضلاتها، ومن الطبيعى أن يخطر بالبال أن عادات الدفن عند المصريين الأقدمين إذا ما تتبعناها إلى بدايتها قد تؤدى بنا إلى تلك العادة البدائية عادة دفن أسلحة المحارب وعدده مع جثته، أو إلى نظام شبيه بما كان يتبعه الهنود وهو دفن زوجات الرجل وعبيده معه لكى يقوموا على خدمته وقضاء حاجاته بعد موته، وإذ كان فى اتباع هذه العادات كثير من المشقة على الأزواج والعبيد فقد عمد المصريون الأقدمون إلى استخدام الرسامين والمثالين لرسم الصور وحفر النقوش وصنع التماثيل الصغيرة التى تمثل الزوجات والعبيد.
وقد جرت عاداتهم على أن ينقشوا عليها عبارات سحرية تبدل الصور والرسوم فتجعلها قادرة على أداء كل ما يحتاجه الميت من خدمات كأنها أجسام وأشياء حقيقية، ولعل أبناء الميت قد ركنوا إلى التكاسل والاقتصاد فى النفقات فجنحوا إلى إهمال الواجبات التى كان الدين يفرضها عليهم فى أول الأمر ومنها تقديم الطعام للميت حتى فى الحالات التى وقف فيها من ثروته ما يفى بهذه النفقات.
ومن أجل هذا كانت الصور المتخذة بديلاً من الحقائق احتياطا قائما على الحكمة وحسن التدبير، فقد كان فى وسعها أن تمد قرينة الميت بالحقول الخصبة، والثيران الثمينة، والعدد الجم من الخدم والصناع النشطين بنفقة قليلة مغرية.
ولما كشف المصريون عن هذا المبدأ أخذ الفنانون ينتجون الشيء الكثير من روائع الفن، ففى أحد القبور صورة لحقل يحرث؛ وفى قبر آخر ترى المحصول يحصد أو يدرس، وفى غيرهما ترى الخبز يسوى، وفى رابع ترى الثور يلقح البقرة، وفى غيره ترى العجل يولد، وفى آخر ترى الماشية التى كبرت تذبح، أو اللحم يقدم ساخناً فى الصحاف، ويمثل نقش جميل على حجر جيرى عثر عليه فى قبر الأمير راع حوتب الميت يستمتع بمختلف الأطعمة على مائدة مبسوطة أمامه، لعمرك أن الفن لم يفعل للإنسان فى عصر من العصور ما فعله لهؤلاء المصريين القدامى.