نواصل سلسلة "حياة المصريين" مع موسوعة الحضارة لـ ول ديورانت، ونتوقف مع "الصناعة" فى الحضارة المصرية القديمة:
يقول ول ديورانت:
ازداد الفائض من الثروة شيئاً فشيئاً نتيجة عمل الزراع، وادخر الطعام لمن يعملونه فى التجارة والصناعة. وكانت مصر تستورد المعادن من بلاد العرب والنوبة لقلتها فيها، وكان بُعد مراكز التعدين مما لا يغرى الأهالى باستغلالها لحسابهم الخاص، ولذلك ظلت صناعة التعدين قروناً كثيرة محتكرة للحكومة. وكانت مناجم النحاس تغل مقادير قليلة منه، أما الحديد فكان يستورد من بلاد الحيثيين، وكانت مناجم الذهب منتشرة على طول الضفة الشرقية للنيل وفى بلاد النوبة، كما كان يؤتى به من خزائن جميع الولايات الخاضعة لسلطان مصر.
ويصف ديودور الصقلى (56 ق.م) المعدنين المصريين وهم يتبعون بالمصباح والمعول عروق الذهب فى الأرض، والأطفال وهم يحملون المعدن الخام، والمهارس الحجرية وهى تطحنه، والشيوخ والعجائز وهم يغسلونه.
وعرفت مصر فى عهد الأسرات الأولى كيف تصنع البرنز بمزج النحاس بالقصدير، وصنعت منه أول الأمر أسلحة برنزية كالسيوف، والخوذات والدروع، ثم صنعت منه بعدئذ أدوات برنزية كالعجلات، والهراسات، والرافعات، والبكرات، وآلات رفع الأثقال، والأوتاد، والمخارط، واللوالب، والمثاقب التى تثقب أقسى أحجار الديوريت، والمناشر التى تقطع ألواح الحجارة الضخمة لصنع التوابيت.
وكان العمال المصريون يصنعون الآجر والأسمنت والمصيص، ويطلون الفخار بطبقة زجاجية، ويصنعون الزجاج وينقشونه هو والفخار بمختلف الألوان، وقد برعوا فى حفر الخشب يصنعون منه كل ما يصلح لصنعه من قوارب وعربات وكراسي، وأسرة، وتوابيت جميلة تكاد تغرى الأحياء بالموت، واتخذوا من جلود الأنعام ملابس وكنانات، ودروعاً، ومقاعد.