نواصل سلسلة "حياة المصريين" مع قصة الحضارة لـ ول ديورانت، ونتوقف مع ما قالته الموسوعة عن مصر وتاريخها ودورها الحضارى فى الحالم كله.
يقول ول ديورانت:
يقول ولما كان أكثر ما نعرفه عن المصريين مستمدا من الآثار التى كشفت فى مقابرهم أو النقوش التى على جدران هياكلهم، فقد خدعتنا هذه المصادفة المحضة فبالغنا فيما كانوا يتصفون به من جد ووقار.
والحق أن بعض ما خلفوه من تماثيل ونقوش، ومن قصص هزلية عن آلهتهم، ليشهد بأنهم كانوا على جانب غير قليل من المرح والفكاهة، وقد كان لهم كثير من الألعاب والمباريات العامة والخاصة "كالداما" والنرد، وكانوا يقدمون اللعب والدمى لأطفالهم كالبلى والكرة والنطاطة، وكانوا يعقدون مباريات فى المصارعة والملاكمة وصراع الثيران، وكان خدمهم يمسحون لهم فى أعيادهم ونزهتهم أجسامهم بالزيوت.
وكانوا يضعون على رؤوسهم أكاليل الزهر ويسقون الخمور تقدم لهم الهدايا، ونستطيع استنادا إلى ما لدينا من رسومهم الملونة وتماثيلهم أن نصورهم خلقا أقوياء الأجسام، مفتولى العضلات، عريضى المناكب، مستدقى الخصور، ممتلئى الشفاه، منبسطى الأقدام لاعتيادهم الحفاء.
وهذه الرسوم والتماثيل تمثل الطبقات العليا النحيفة القوام، طويلة فى هيبة، ذات وجوه بيضاء وجباه منحدرة منتظمة، وأنوف طويلة مصفحة، وعيون نجل، وكانت بشرتهم بيضاء وقت مولدهم (تشهد بأنهم من أصل آسيوى لا إفريقي)، ولكنها سرعان ما تلفحها شمس مصر فتسمر. وقد جرى العرف بين الفنانين المصريين على أن يرسموا الرجال حمرا والنساء صفروات؛ ولربما كان هذان اللونان مجرد طرازين من الزينة للرجال والنساء. هذا شأن الطبقات العليا، أما الرجال من عامة الشعب فكان يمثل بالصورة التى نراها فى تمثال شيخ البلد، قصير القامة، ممتلئ الجسم، كاسى القصب، وذلك لطول كده وطعامه غير المتزن. وكانت ملامحه خشنة، وكان أفطس الأنف أخشمه، ذكيا ولكنه خشن الطباع. ولربما كان الشعب وحكمه من سلالتين مختلفتين، شأنهم فى هذا شأن كثير من الشعوب: فلعل الحكام كانوا من أصل آسيوى وعامة الشعب من أصل إفريقي. وكان شعرهم أسود، أحجن فى بعض الأحيان، وقلما كان قَطَطاً. وكان النساء يقصصن شعورهن كأحسن ما يقصصنه فى هذه الأيام؛ وكان الرجال يحلقون لحاهم ويخفون شواربهم ويزينون أنفسهم بشعور مستعارة فخمة.
وكثيرا ما كانوا يقصون شعر رأسهم ليسهل عليهم لبس هذه الشعور المستعارة. وحتى زوجة الملك نفسها كانت تقص شعرها كله ليسهل عليها لبس التاج والشعر الملكى المستعار وكان من المراسم التى لا يستطيع الملك الخروج عليها أن يلبس أكبر ضفيرة مستعارة.
وكانوا يستعينون بفنون التجميل على إصلاح عيوب أجسامهم كل منهم حسب موارده. فكانوا يحمرون أوجههم وشفاههم، ويلونون أظافرهم، ويدهنون أعضاء أجسامهم بالزيت، وحتى تماثيل المصريات كانت تكحل عيونها.
وكان ذوو اليسار منهم يضعون فى قبور موتاهم سبعة أنواع من الأدهان ونوعين من الصبغة الحمراء، وقد وجدت بين آثارهم كميات كبيرة من أدوات الزينة، والمرايا، والمواسي، وأدوات تجعيد الشعر، ودبابيسه، والأمشاط، وصناديق الأدهان، والصحاف والملاعق- مصنوعة من الخشب، أو العاج، أو المرمر، أو البرنز، ذات أشكال جميلة تتفق والأغراض التى تستخدم فيها.
ولا تزال بعض أصباغ العيون باقية فى أنابيبها إلى يومنا هذا، وليس الكحل الذى تستعمله النساء فى هذه الأيام لتزيين حواجبهن ووجوههن إلا صورة أخرى من الزيت الذى كان المصريون يستخدمونه فى غابر الأيام.
وقد وصلت إلينا هذه العادة عن طريق العرب، واشتق من اسمه العربى "الكحل" لفظ "الكحول" الذى نستخدمه الآن. وكانت العطور على اختلاف أنواعها تستخدم لتعطير الجسم والثياب، كما كانت المنازل تبخر بالبخور والمر.