نواصل سلسلة حياة المصريين ونكمل معًا قراءة موسوعة قصة الحضارة لول ديورانت، الذى يتوقف عند تاريخ مصر القديمة ودورها فى تأسيس الحضارة العالمية.
يقول ول ديورانت:
"إذا كنت ناجحا، وأَثثت بيتك، وكنت تحب زوجة قلبك، فاملأ بطنها واكس ظهرها... وادخل السرور على قلبها طوال الوقت الذى تكون فيه لك، ذلك أنها حرث نافع لمن يملكه... وإذا عارضتها كان فى ذلك خرابك".
ويرجح أن هذه المكانة السامية التى كانت للمرأة إنما نشأت من أن المجتمع المصرى كان أميل إلى تغليب سلطان الزوجة على سلطان الزوج بعض الشيء. وشاهد ذلك أن المرأة لم تكن لها السيادة الكاملة فى بيتها وكفى، بل إن الأملاك الزراعية كلها كانت تنتقل إلى الإناث، وفى ذلك يقول بيترى : "لقد كان الزوج حتى فى العهود المتأخرة ينزل لزوجته فى عقد زواجه عن جميع أملاكه ومكاسبه المستقبلة".
على أن سلطان المرأة قد نقص قليلا على مر الزمن، ولعل سبب هذا النقص هو أثر التقاليد الأبوية التى أدخلها الهكسوس، وأثر انتقال البلاد من عزلتها الزراعية ومن حال السلم إلى طور الاستعمار والحرب.
وزاد نفوذ اليونان فى أيام البطالمة زيادة أصبحت معها حرية الطلاق، وهى التى كانت تطالب بها المرأة فى الأزمنة السابقة، حقا خالصا للزوج لا ينازعه فيه منازع.
بيد أنه حتى فى ذلك الوقت لم يقبل هذا التطور إلا الطبقات العليا من أهل البلاد، أما عامة الشعب فقد ظلت مستمسكة بالتقاليد القديمة، ولعل سيطرة المرأة على شئونها الخاصة هى التى جعلت قتل الأطفال أمرا نادر الحدوث. ويرى ديودور الصقلى أن من خواص المصريين أن كل طفل يولد لهم يلقى حظه الكامل من التربية والرعاية، ويقول أن القانون كان يقضى على الأب الذى يرتكب جريمة قتل طفله بأن يحتضن الطفل القتيل ثلاثة أيام وثلاث ليال كاملة(106). وكانت الأسرة الكبيرة، والأطفال تغص بهم الأكواخ والقصور على السواء، وكان الأثرياء منهم يلقون صعابا جمة فى إحصاء نسلهم.