قال الدكتور حسين عبد البصير، باحث المصريات ومدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية، إن اكتشاف مصر الفرعونية جاء من خلال اكتشاف حجر رشيد، ويعتبر اكتشاف حجر رشيد الأثري واحدًا من أهم الاكتشافات الأثرية في تاريخ الإنسانية عبر عصورها التليدة والمجيدة، ومفتاحًا مهمًا لكشف رموز وأسرار اللغة المصرية القديمة، ونافذة مضيئة أطل العالم كله منها على سحر مصر القديمة واستمتع بجمالها الذي لا ينتهي، ونورًا ملهما يتجلى أتاح للعالم المتحضر إماطة اللثام عن واحدة من أعظم الحضارات البشرية قاطبة في عمر كوننا الأرضي ومجرتنا الهائلة، إن لم تكن أعظمها على الإطلاق.
وأوضح الدكتور حسين عبد البصير، في تصريحات خاصة لـ "انفراد"، أنه كيف كان لنا أن نتنسم عطر مصر القديمة الفواح ونستنشق عبيرها الخلاب ونعيش بين أريجها الأخاذ لولا اكتشاف ذلك الحجر المفسر للحضارة المصرية القديمة ومفتاح سرها وما تلاه من محاولات جادة ودؤوب لفك الأسرار المصرية القديمة على يد الكثيرين إلى أن جاء النابغة الفرنسي الأعظم عالم المصريات جان-فرانسوا شامبليون، ووضع نقطة النهاية، معلنا اكتشافه ومؤسسًا بذلك علمًا جديدًا هو علم المصريات بشكل أكاديمي، ذلك العلم الذي ما زال العالم أجمع يتفيأ ظلاله ويستكشف أسراره، وجاعلاً مصر القديمة ولعًا فرنسيًا خالصًا في البداية، وقبلة العالم، وتتردد على كل لسان من بعد، وخالقًا موجة من الهوس بمصر أو ما يعرف بـ “الإيجيبتومانيا" (الولع بمصر) في العالم الغربي وغيره من عوالم.
وأضاف: ويحتل حجر رشيد مكانة أسطورية في تاريخ علم المصريات وفى تاريخ الكتابة البشرية جمعاء، ويعد محطة مهمة نحو توصل البشرية لأصولها العريقة ومعرفة جذورها العتيدة. وصار قبلة لكل المهتمين بمصر والعالم والحضارة وفجر الضمير الإنساني من كل حدب وصوب في عالمنا المعاصر.
ولعب ذلك الحجر دورًا مهمًا في فك رموز الكتابات المصرية القديمة. وكتب النص المنقوش عليه في ثلاث نسخ تمثل عددًا من الكتابات التي كانت شائعة في مصر في ذلك الزمن البعيد من عمر حضارتنا المصرية الخالدة: وهى الكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة (الكتابة المقدسة) على قمة الحجر، والكتابة الديموطيقية المصرية القديمة (الكتابة الشعبية) في منتصف الحجر، والكتابة اليونانية القديمة (في أسفل الحجر) لغة الوافد والمحتل اليوناني الباقي من تراث الإسكندر الأكبر وخلفائه على تربة الأرض المصرية الطيبة الطاهرة التي تمصر كل محتل ووافد وتصبغه بالصبغة الحضارة المصرية الخالصة التي لا فكاك من إسرها الجمالي والمعرفي الطاغي والمهيمن أبد الدهر مهما تبدلت وتغيرت الأزمان والأحوال والأماكن والأدوار. ونجد أن الباقي من نص الكتابات الهيروغليفية يقع في أربعة عشرة سطرًا وهي تطابق الثمانية والعشرين سطرًا الأخيرة من النص المصري القديم، بينما يقع المتبقي من الكتابة الديموطيقية في اثنين وثلاثين سطرًا، فيما كتب نص الكتابة اليونانية القديمة شبه كاملاً في أربع وخمسين سطرًا.