قبل 21 عاما وبالتحديد 30 سبتمبر عام 2000، قتل رصاص الغدر الطفل الفلسطينى الشهيد محمد الدرة، على أيدى قوات الاحتلال الاسرائيلى، فى مطلع القرن الجديد، بالتزامن مع انتفاضة الأقصى والتى شهدت احتجاجات امتدت إلى مناطق واسعة من الأراضى الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
والتقطت عدسة المصور الفرنسى شارل إندرلان المراسل بقناة فرنسا 2 مشهد احتماء جمال الدرة وولده محمد البالغ من العمر اثنتى عشرة عامًا، خلف برميل إسمنتي، بعد وقوعهما وسط محاولات تبادل إطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية.
وفاة الدرة آثار الغضب فى النفوس وسالت من أجله دموع الوطن العربى، ما جعله العديد من الشعراء العرب يرثون "الدرة" بقصائدهم مخلد فى دواوين شعراء العرب:
وكام من بين هولاء الشعراء:
الشاعر الفلسيطنى الكبير محمود درويش
"محمد"
"يعشعش فى حضن والده طائرا خائفا/ من جحيم السماء، احمنى يا ربي/ من الطيران الى فوق! ان جناحي/ صغير على الريح.. والضوء اسود.. محمـــد، يريد اللرجوع الى البيت، من دون دراجة .. أو قميص جديد/ يريد الذهاب الى المقعد المدرسي/ الى دفتر االصرف والنحو، خذني/ الى بيتنا، يا أبي، كى أعد دروسي/ واكمل عمرى رويداً رويداً/ على شاطئ البحر، تحت النخيل/ ولا شيء أبعد، لا شيء أبعد.. محمـــد، يواجه جيشاً، بلا حجر أو شظايا/ كواكب، لم ينتبه للجدار ليكتب، حريتي/ لن تموت . فليست له بعد، حرية / ليدافع عنها/ ولا أفق لحمامة بابلو/ بيكاسو وما زال يولد، ما زال/ يولد فى اسم يحمله لعنة الاسم، كم مرة سوف يولد من نفسه ولدا/ ناقصا بلداً ناقصا موعدا للطفولة؟/ أين سيحلم لو جاءه الحلم/ والأرض جرح.. ومعبد؟.. محمـــد،/ يرى موته قادماً لا محالة، لكنه / يتذكر فهداً رآه على شاشة التلفزيون،/ فهدا قويا يحاصر ظبيا رضيعا/ وحين دنا منه شم الحليب/ فلم يفترسه/ كان الحليب يروض وحش الفلاة/ اذن، سوف أنجو - يقول الصبى - / ويبكي، فإن حياتى هناك مخبأة/ فى خزانة أمي، سأنجو .. وأشهد .. محمـــد، ملاك فقير على قاب قوسين من / بندقية صياده البارد الدم/ من ساعة ترصد الكاميرا حركات الصبي/ الذى يتوحد فى ظله/ وجهه، كالضحى، واضح/ قلبه، مثل تفاحة،/ واضح/ وأصابعه العشر، كالشمع واضحة/ والندى فوق سرواله واضح../ كان فى وسع صياده أن يفكر فى الأمر/ ثانية، ويقول : سأتركه/ ريثما يتهجى/ فلسطينية دون ما خطأ.../ سوف أتركه الآن رهن ضميري/ وأقتله، فى غد، عندما يتمردا.. محمـــد،يسوع صغير ينام ويحلم فى قلب أيقونة / صنعت من نحاس/ ومن غصن زيتونة/ ومن روح شعب تجدد/ .. محمـــد، دم راد عن حاجة الأنبياء/ الى ما يريدون، فاصفد/ الى سدرة المنتهى/ يا محمـــد".
الشاعر العراقى الكبير مظفر النواب
"أنت المحال الذى لا يباع"
"أنت المحال الذى لا يُباعُ/
لمْ تكُنْ /تتقى /وابل المجرمينَ / بظهرٍ أبيك / ولكن ترص عزيمتهُ / لاختراق الرصاص / ورغم صُراخِك/ كم كان صوتُك عذباً / كأن جميع الطيور لقد ذُبحت، / وهى تشدو /وبين الرصاص / لمحتُ حذاءك / كان صغيراً.. / ولكنه / حتفهم لا مناص / وغطى دمُ الوطن العربى قميصك / كل الرصاص يوجه للوطن العربي! / وما زالَ لم يفهم الأغبياءُ / بأن الرصاص طريقُ الخلاص!! / محمدُ! / قد كشفت قمة العُهر / عن كل عوراتها / خطبُ الذل باعت دماءك! / كلا... / فأنت المحالُ الذى لا يُباعُ / وأنت الترابُ الذى لا يُباعُ / وأنت السماءُ / وأنت القصاص"
"أفضحهم"
"لا تقهر انتفاضتي/ وموقعي/ فى موقعي/ ولا أزاح/ جهنم الحمراء/ ملك قبضتي/ أوجّه الزمان/ مثلما توجّه السفائن , الرياح/ أقتلع المحتّل/ والمختّل بالتطبيع/ والذين مارسوا الخنا/ إن علنا/ او خفية/ او بين وبين!!!/ هذا حجرى يوشك بالصياح/ أفضحهم./ قد غسلوا وجههم ببولهم/ بولوا عليهم./ علّهم يصحون من غبائهم/ ولست مازحا/ ارادة الشعوب تكره المزاح/ قد أذّن الدم الزكى :/ أن " محمد الدرة " من يؤمكم/ فيا رجال !/ يا رجال !/ وحدوا الصفوف خلفه/ حى على السلاح/ جئت من التاريخ كلّه/ وجاء من فراغه العدّو/ شاهرا فراغه/ وعقمه./ شهرت بندقيتى الشّماء للكفاح/ لا تقهر انتفاضتي/ وموقعى أدوس أنف من يشك/ أنّ بندقيتي/ تلقح الزمان/ أشرف اللقاح"
الشاعر المصرى عبد العزيز جويدة
"مُحمَّد الدُّرَّة"
"للقدسِ رائحةُ الترابِ/ إذا احترَقْ/ ولِكلِّ طِفلٍ ـ فى يديهِ حجارةٌ ـ/ حجَرٌ سيقذِفُهُ ../ وآخرُ/ من يدينِ صغيرتينِ/ سينزَلِقْ/ وقتَ انحِناءِ الطفلِ/ يلتقِطُ الحجرْ/ صوتُ الرَّصاصِ يفوحُ/ بالموتِ المُباغِتِ/ تخرُجُ الروحُ البريئةُ/ مثلَ ضوءٍ قد بَرَقْ/ يا معشَرَ الشُهداءِ/ لا تتوقفوا/ إنْ لم تموتوا ../ لن نعيشْ ../ حتى نرى وطنًا يلوحُ من الأُفُقْ؟/ هو ذا الصغيرُ/ الآنَ يُبلِغُكم جميعًا أنَّهُ/ فى الصُّبحِ لن يأتى لمدرستِهْ/ هو ذا الصغيرُ الآنَ يعتذِرُ/ هو لن يُصافحَكُمْ،/ ولن يجلسْ../ بمجلِسِكمْ/ ليسألَهُ مُدرِّسُهُ :/ فهمتَ الدرسْ ؟/ يجيبُ مُحمدُ الدُّرَّة : نعَمْ .. أُستاذْ/ وعندَ خُروجِهِ المُعتادِ للبيتِ/ يُفكِّرُ سائلاً نفسَهْ/ لماذا دونَ خلْقِ اللهِ/ لمْ نعرفْ لنا وطنًا/ ولا علَمًا/ وكلُّ هُوِيَّةٍ فينا/ يُدَوَّنُ فوقَها ../ "لاجئْ" / لماذا دونَ خلقِ اللهْ/ بيوتُ الناسِ عاليةٌ/ ونُدفَنُ نحنُ ../ فى ملجأْ ؟/ لماذا دونَ خلقِِ اللهِ/ لم تسكُنْ مدائنَنَا عصافيرٌ/ تُزقْزِقُ فوقَ شبَّاكى ؟/ وكلُّ نسائمٍ تأتي/ يُفتِّشُها الغُزاةُ الصُّفرُ/ قبلَ دخولِها أرضي/ فتختَبِئُ ../ تُخوِّفُها بنادقُهمْ/ تخافُ السُترَةَ الكاكي/ فيبتسِمُ الصِغارُ السُّمرُ فى ضَجَرٍ/ لصوتِ مُحمدِ الباكي/ ويفْتَرشونَ فى مَللٍ حقائبَهُمْ/ وفوقَ تُرابِ أرضِهُمُ/ يَمُدُّ مُحمدٌ يدَهُ/ ليأخذَ حِفنةً منها/ ويصرُخُ فى فضاءِ الكونِ : يا أرضي/ أنا لا شيءَ لولاكِ/ ويرسُمُ فى الفضا علمًا ويرفعُهُ/ "يُؤديهِ تحيتَهُ"/ ويفعلُ مثلَهُ الأطفالُ/ يبتَهِلونَ يا قُدسُ/ عيونُ اللهِ ترعاكِ/ فمُدّى لى يديكِ الآنَ/ يا قدسُ/ فواحدةٌ أُقبِّلُها ،/ وفى الأخرى/ ُكَفّنُ وجهَ قتلاكِ/ لأنَّ مُحمّدَ الدُّرَّة/ لهُ عينانِ يسكُنُ فيهما وطني/ لهُ شَفتانِ لونُهما بلونِ القدسْ/ ورأسٌ دائمًا مرفوعْ/ يُشابِهُ قُبَّةَ الأقصى/ إذا اهتَزَّتْ لِصوتِ مؤَذِّنٍ للفجرِ/ صدَّاحٍ/ تئنُّ حجارةُ الأقصى بكلِّ خُشوعْ/ هُنا المَسْرى/ هُنا "طهَ" تَعانَقَ نورُهُ الأبدى فى يومٍ/ بِنورِ "يسوعْ"/ قليلٌ كلُّ هذا الدّمِّ يا قدسُ/ ليبقى صوتُ قُرآنِكْ/ وقُدَّاسِكْ ../ هنا مسموعْ/ بَكتْ "مرْيَمْ"/ بَكتْ فى الليلِ نخلَتُها/ فهزَّتها ../ تساقطْ ../ وجهُ قتلانا/ وقالوا : قتْلُنا مشروعْ/ لأنَّ مُحمدَ الدّرّة/ تراءى لي/ وحدَّثَنى من الجنَّةْ/ ثيابٌ سُندُسٌ خُضرٌ/ ونهرُ دموعْ/ وقالَ : اللهُ واساهُ ،/ وطمأنَ قلبهُ المفجوعْ/ بأنَّ الأرضَ عائدةٌ/ وأنَّ المسجدَ الأقصى/ سندخلُهُ/ وخلفَ جدارِهِ نسمعْ/ فحيحًا .. /إنها الأفعى/ تئنُّ ورأسُها مقطوعْ/ أنا آتٍ إليكِ أيا فَلسطينُ/ وصدرى للرصاصِ الحى مفتوحٌ/ بغيرِ دُروعْ/ فإنْ مِتُّ .. / شهيدًا أفتدى قُدسي/ وإن عُدتُ ../ أعودُ ورأسُنا مرفوعْ/ يظلُّ محمدُ الدرة/ شُهودَ عِيانْ/ على زَمنٍ من التقتيلِ والتَّنكيلِ/ والطُّغيانْ/ سيبقى وَصْمَةَ العارِ/ التى حلَّتْ على العالمْ/ ولن تُمحى بأى زمانْ/ لأنَّ مُحمدَ الدُّرَّة/ هو الوطنُ/ هو القُدسُ/ هو الأرض/ هو العِرضُ/ فكيفَ لنا تركناهُ/ تجرَّعَ وحدَهُ الجُرحَ ،/ وهدَّتْ أمَّهُ الأحزانْ ؟/ يُطلُّ مُحمدُ الدُّرَّة/ بوجهٍ كالنبيينَ/ نوارى وجهَنا منهُ/ فأى هَوانْ !/ ويصرُخُ فى ضمائِرِنا ../ هُنا بُركانْ :/ أغيثونى أنا إنسانْ/ أغيثونى أنا إنسانْ/ سلاماتٍ سلاماتٍ/ إلى المفجوعَةِ الثَّكْلى/ تُقَبِّلُ أوجُهَ القَتلى/ لأنَّ القُدسَ غاليةٌ/ بذلنا روحَنا الأغلى/ بذلنا الذَّاتْ/ سلاماتٍ إلى أرضٍ ،/ إلى شعبٍ ../ يُقدِّمُ عُمرَهُ مَهرًا/ ليرفعَ رايةً حُرةْ/ سلاماتٍ لكلِّ حِجارةٍ سَقطتْ/ وكلِّ قذيفةٍ عَبرتْ/ لتفتحَ فى جِدارِ الليلِ/ نحوَ شموسِنا ثَغرَة/ ولن نهدأْ ،/ ولن نعبأْ ../ بتهديدٍ لنا ووعيدْ/ فأهلاً يا سنينَ الحنظلِ الآتي/ نعمْ أهلاً ../ بكلِّ حياتِنا المُرَّةْ/ فإنَّا لا نهابُ الموتَ بالمَرَّةْ/ فليسَ الموتُ فى العُمرِ ../سوى مَرَّةْ/ سنزرعُ أرضنا حَجَرًا/ نُحَرِّرُها/ وإنْ عادتْ فُلُولُ الشَّرِّ فى يومٍ/ نُعيدُ عليهِمُ الكَرَّة/ سنزرعُ أرضَنا شُهداءْ/ لتطرحَ دائِمًا وطنًا/ بِلونِ مُحَمَّدِ الدُّرَّةْ"
الشاعر الفلسطينى عبد الوهاب زاهدة
"وصية محمد الدّرة"
"هو مشهدْ/ لمحمدْ/ كل يومٍ يتجدد/ كان زهره/ ساطعا يشبهُ درّه/ فى صرير الريحِ يهوي/ مثلَ قنديلٍ بمعبد/ يتمدد/ يتشّهد/ يسألُ الكونَ ليشهد/ أن هولاكو .. تنمرد/ خردقوهُ .. بالرصاص / مزّقوهُ .. لا مناص/ إنّه وقتُ الخلاص/ فتلوى .. وتلوى/ عجباً منهُ .. تروّى/ موصياً .. قولوا لماما/ أن بابا/ صدّ عنى بالضلوع/ والدموع/ قد تشبثتُ يا ماما/ أتحامى/ إنما كانّ هناك/ دراكولا وباراك/ قطّعوني/ ذبحوني/ حقدهم كالفحم أسود/ وأنا .. واللهُ نشهد/ وغفا من فوقِ أحضانِ أبيه/ والدما .. سيلٌ وأنهارٌ .. بفيه... المدى يعلنُ موتَه/ والصدى يُرجِعُ صوتَهْ/ أينَ أمي/ هى حبي/ ليتها اليومَ بقربي/ كى ترانى أتشهد/ أسألُ الكونَ ليشهد/ دراكولا قد تجدد"