تاريخ كوكب الأرض، وبداية الحياة عليها ربما يكون محل خلاف، لكن العلم ربما توصل إلى العديد من الحقائق حول تاريخ الأرض، وكيف بدأت الحياة على هذا الكوكب، والعديد من الكتب والدراسات تحدثت عن هذا الأمر من وجهات النظر الدينية والعلمية، والأخيرة كان من الكتب التى اتخذتها مجالا لدراستها كتاب " كوكب فى حصاة: رحلة إلى تاريخ الأرض السحيق" للكاتب يان زالاشفتش، ونقلته إلى العربية الدكتورة ابتسام بن خضراء.
يروى الكتاب قصة تاريخ الأرض كما يراها جيولوجى يتأمل حصاة، وكأن تلك الحصاة أشبه بكف يقرأ منه طالع الكون، ويقول الكاتب إن الناس يحبون القصص، وقد ولدوا رواة بارعين، وينجح هنا فى سرد قصته علينا عن دورة حياة حصاة، وهو بذلك يعرف القارئ العادى بدراسات شتى، من دراسة المستحاثات إلى دراسة الفلزات، إلى دراسة الطلعيات، والصفائح التكتونية، وغير ذلك فيبدأ بفصل بعنوان الغبار النجمى ليعرفنا بمفاهيم مادة الذرات التى بنيت منها حصاته، ثم ينتقل بنا ليشرح بإيجاز بنية باطن الأرض قبل أن يحدث عن الفلزات والصخور الرسوبية ودورة حياتها، من العصور السحيقة فى الجيولوجيا حتى المستقبل البعيد جدًا.
ذلك المستقبل الذى يتنبأ فيه بتصلب نواة الأرض، واختفاء حقلها المغناطيسى جراء ذلك، وبالتالى ذهاب غلافها الجوي، لتصبح عرضة للرياح الشمسية والأشعة الكونية؛ فتفنى فيها الحياة؛ وتتناثر ذرات الأرض فى الفضاء مع موت النظام الشمسي؛ ولعلها تجد نظاما نجميا آخر يوشك أن يولد، وفى الختام يزودنا بقائمة من الكتب نزداد بها معرفةً واطلاعًا على تلك الأفكار المتنوعة.
وقد بدا الكاتب شديد التعلق بعالم مستحاثات العوالق والميكروبات، فأسهب وأطال فيه وأجاد، وبدأ تعلقه بها واضحًا من عبارته: "كانت الميكروبات فى العصر السيلورى تحكم العالم، كما هى اليوم تحكمه"، كما أنه لم يخف ولعه بالدقة فى تحديد الأزمان الجيولوجية، فنراه يحصى عشرة مقاييس زمنية، أخذها جميعًا من الحصاة.
عمد الكاتب فى سرد قصته إلى شرح طرق وتقنيات القياس والتحليل التى توافرت فى ما يربو على قرن من الاكتشافات، فيأخذ بيدنا من العمل الحقلى إلى العمل المخبرى بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة، إنه يقربنا بكلماته المنمقة وعباراته الأنيقة من أطرافٍ شتى من علم الجيولوجيا.
الكاتب يان زالاشفتش محاضر فى الجيولوجيا فى جامعة ليستر، عمل سابقاً مع هيئة المساحة الجيولوجية البريطانية. وهو جيولوجى حقلى، وعالم أحافير، واختصاصى فى طبقات الصخور، ويدرس جوانب مختلفة من الجيولوجيا وتاريخ الأرض للطلاب الجامعيين وطلاب الدراسات العليا، كما أنه باحث فى النظم والأوساط البيئية للأحافير التى يرجع عمرها الجيولوجى إلى ألف مليون سنة، نشر مئة ورقة بحثية فى المجلات العلمية، وعددًا من المؤلفات.
ابتسام بن خضرا مترجمة مغربية من أصل فلسطينى، حصلت على إجازة فى الأدب الإنجليزى من جامعة دمشق فى عام 1983م، ترجمت كتباً ومنشورات وتقارير متعددة لدور نشر عربية ودولية.