تمر اليوم الذكرى الـ757 على نجاح ألفونسو العاشر ملك القشتاليين بحصار واحتلال مدينة شريش وطرد كل المسلمين، وذلك بعد ثورة المدجنين، التي ساندها المغاربة ومملكة غرناطة، ورغم نجاحها في عدة مدن.
وثورة المدجنين (1264-1266)، هى الثورة التى قام بها المسلمون الذين آثروا البقاء فى الأندلس ومرسية وتاج قشتالة، وعاشوا فى ظل الحكم المسيحى، وكانت بلنسية مثوى لكثير من هؤلاء وتجمع فيها ما يقرب ثلاثين ألفا، ورأوا أن يقوموا بثورة لاكتساب بعض الحقوق الإنسانية، كحرية العقيدة، واستطاعوا احتلال بعض الحصون وتقدموا نحو بلنسية بعد أن كونوا جيشا، واستمروا فى التقدم، وأصيب حاكمهم (جقوم) بهم وغم أديا إلى وفاته، وجاء ابنه (بطره) الذى تتصل بالمسلمين وفاوضهم، وعقد هدنة أمان معهم، ورفع عنهم الظلم، حتى إذا تفرقوا، نقض العقود والمواثيق وضربهم، قبل أن يتجمعوا، وأسر المسلمين جميعا.
كان الاضطهاد الأعظم في غرناطة، وكان المورسكيون مع القوانين الأخيرة التي أصدرها فيليب الثاني سنة 1566م، وبدأ تطبيقها دون هوادة في ذكرى سقوط غرناطة في الأول من يناير من العام التالي 1576م، قد أدركوا أنهم على موعد مع القطيعة النهائية مع دينهم وتراثهم وتاريخهم وأجدادهم، لا سيما وأن محاولاتهم للوساطة والود ودفع الأموال للتخفيف من وطأة هذا العدوان لم تفلح مع التعصب الكاثوليكي الأعمى، ومع مظالم ووحشية محاكم التفتيش التي أنزلت بهم صنوفا من التعذيب والأسر والقتل لم يروا مثلها من قبل.
فلما بلغ اليأسُ بالمورسكيين ذروته؛ تهامسوا على المقاومة والثورة، والذود عن أنفسهم إزاء هذا العسف المضني، أو الموت قبل أن تنطفئ في قلوبهم وضمائرهم آخرُ جذوة من الكرامة والعزة، وقبل أن تُقطع آخر صِلاتِهم بالماضى المجيد، وكانت نفوسهم لا تزال تضطرم ببقية من شغف النضال والدفاع عن النفس، وكانوا يرون في المناطق الجبلية القريبة ملاذا للثورة، ويؤمّلون أن يصلوا بالمقاومة إلى إلغاء هذا القانون الهمجي أو تخفيفه.
وكانت العصبة الأندلسية القديمة تتركز قوتها في حي البيّازين أسفل الحمراء في غرناطة، والتف الجميع حول أحد أعيانهم الأشاوس واسمه فرج بن فرج من أسرة بني السراج فرسان دولة بني الأحمر القدامى، واتفقوا على الوثوب على الحامية العسكرية الإسبانية في المدينة للفتك بها في أحد أعياد النصارى في أبريل من عام 1568م وإعلان الاستقلال وبداية الثورة لتحرير الأراضي الأندلسية ورفع الضيم عن المورسكيين.
وبالرغم من أن خطتهم باءت بالفشل في ذلك التوقيت، فإن فرج بن فرج وبمعاونة مئتين من المورسكيين المسلحين فتكوا بمجموعة من القضاة والمحققين الإسبان خارج غرناطة في ديسمبر من ذلك العام، وأراد فرج أن يستغل الأحداث بصورة أكثر فعالية، فيفتك بحامية قصر وقلعة الحمراء الإسبانية، لكن كبار رجالات المورسكيين في غرناطة خشوا من العواقب، فاضطر فرج للخروج بقواته القليلة صوب قرى البشرات في جنوب المدينة، وهنا تسامع المورسكيون في أرجاء ومدن وقرى الأندلس كافة بما حدث، فتتابع الرجال والفرسان بأنفسهم وأموالهم وأسلحتهم مؤيدين الثورة، ومنضمين لها، وكانت الخطوة التالية تعيين أمير أو ملك ذي شأن على هذه الجموع التي تتوق إلى تحرير الأندلس.