رحل صباح اليوم الدكتور صلاح الراوى، الأستاذ فى المعهد العالى للفنون الشعبية، بأكاديمية الفنون، عن عمر يناهز 75 عامًا، ومن أبرز كتب صلاح الراوى كتاب "الثقافة الشعبية وأوهام الصفوة" الصادر عن معهد الشارقة للتراث، وهو يلفت إلى جذور الإبداع الجمعى والوعى الجمعى وكيف تعبر الجماعة عن آلامها وأفراحها عبر أدبها.
ويتناول الدكتور الراوي، فى فصول كتابه، الفنون الشعبية بين واقع المقاومة وأوهام صفوة المثقفين، موضحًا أهمية النكتة الشعبية والفرق بينها وبين النادرة ناعيا على من يرى من الطبقة المثقفة أنها تفريغ نفسى أو أنها سلبية، فليس فى الفنون الشعبية فن سلبى، لأن الجماعة الشعبية فى حل من التدليس والنفاق الفني، بل إن فنها هو المخرج الوحيد لها، وهو أداة مقاومتها عندما تعز وسائل المقاومة.
ويمضى المؤلف فى رحلته البحثية عن الثقافة الشعبية والمأثورات العربية بين التكامل والوحدة ثم ملامح القيم الأخلاقية فى الشعر الشعبى المصرى وملامح الهوية المصرية والعربية.
ويقول صلاح الراوى إن هناك فرقا بين الثقافة الشعبية والثقافة الجماهيرية، فالأولى تشمل مختلف الفنون الشعبية والثانية تعنى ثقافة الأمر فى عمومها دون تمييز بين فئة أو طبقة.
وفى الختام يأخذنا المؤلف إلى قضية المأثورات الشعبية واستلهاماتها، ويركز على أهمية تدقيق المصطلح وهى قضية يراها فريضة غائبة عن الباحثين فى مجال الدراسات الشعبية، ويقول إن ما يرتضيه مقابلا عربيا لمصطلح الفولكلور هو "الثقافة الشعبية" التى تضم "التراث الشعبى" ويدلى على الثقافة الشعبية القديمة، و"المأثور الشعبى" الذى يعنى الثقافة الشعبية الحية ـ الآنية ـ، ثم إن الاستلهام الفنى للثقافة الشعبية يعتمد استدعاؤها عبر ثلاث طرق هى القراءة والتذكر والمعايشة، فالأولى تتيح للفنان مساحة عريضة من منشورات المأثور أو التراث الشعبي، والثانية تعلو درجة حيث يكون الفنان فى حالة تماس مع الظاهرة التى يستلهمها، بينما تمثل الثالثة ـ المعايشة ـ ميزة وتحديا للفنان حيث يخوض تجربة عناء حقيقى بين مخالطة الظاهرة والدخول فيها من ناحية، وبين الانفصال عنها والحياد فى تلقيها والسيطرة على حدودها من ناحية أخري،غير أن الوصول الى فهم دقيق لمشكلات الاستلهام المنهجية والبنيوية رهين بالوقوف على طبيعة هذا الفارق النوعى وتأمله تأملا علميا عميقا .
وبحسب الدكتور خالد عزب فى مقال بعنوان "الثقافة الشعبية وأوهام الصفوة.. من هو جحا": نجد صلاح الراوى يأخذنا إلى نوادر جحا، فالنظرة الأحادية تدفع البعض إلى القول بسلبيتها، وأحياناً نجد من يقول بتطويرها. كيف؟ لا أدرى. وفى تصورى أن بعض أصحاب فكرة سلبية النوادر إنما يقفون أمام بعض النصوص ثم يصدرون أحكامهم، بينما الموضوعية و الدقة العلمية تقتضى أن ندرس الظاهرة من وجوهها المختلفة من خلال عملية استقراء علمى، فكيف نشأت الجحوية، وفى أية ظروف وكيف، وفى أية تجليات وصلتنا، وأى جحا هو الذى نتحدث عنه، هل هو جحا العربى أم جحا الرومى ( التركى ) أم جحا المصرى؟
ويتسأل صلاح الراوى، كيف شكلت العقلية الشعبية المصرية (وليس الوجدان المصرى وحده) هذا الرمز، لأن جحا العربى كان شخصية تاريخية حقيقية (أبو الغصن دجين، وقد ولد فى منتصف القرن الثانى الهجرى) وتحول إلى رمز، وكذلك كان جحا التركى (الخوجة نصر الدين، المتوفى عام 638 ه)، وهو نابع كرمز من سلفه العربى.