الوليد ابن عبد الملك، هو الخليفة الذى تولى بعد والده عبد الملك بن مروان، وقد رحل فى سنة 96 هجرية، وعرف بكونه بانى جامع دمشق، فما الذى يقوله التراث الإسلامى عنه؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "ترجمة الوليد بن عبد الملك"
هو الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو العباس الأموى، بويع له بالخلافة بعد أبيه بعهد منه فى شوال سنة ست وثمانين، وكان أكبر ولده، والولى من بعده، وأمه ولادة بنت العباس بن حزن بن الحارث بن زهير العبسى.
وكان مولده سنة خمسين، وكان أبواه يترفانه، فشب بلا أدب، وكان لا يحسن العربية، وكان طويلا أسمر به أثر جدرى خفي، أفطس الأنف سائله، وكان إذا مشى يتوكف فى المشية - أى يتبختر - وكان جميلا وقيل دميما، وقد شاب فى مقدم لحيته، وقد رأى سهل بن سعد وسمع أنس بن مالك لما قدم عليه سأله ما سمع فى أشراط الساعة، كما تقدم فى ترجمة أنس، وسمع سعيد بن المسيب وحكى عن الزهرى وغيره.
وقد روى أن عبد الملك أراد أن يعهد إليه ثم توقف لأنه لا يحسن العربية فجمع الوليد جماعة من أهل النحو عنده فأقاموا سنة، وقيل ستة أشهر، فخرج يوم خرج أجهل مما كان، فقال عبد الملك: قد أجهد وأعذر، وقيل إن أباه عبد الملك أوصاه عند موته فقال له: لا ألفينك إذا مت تجلس تعصر عينيك، وتحن حنين الأمة، ولكن شمر واتزر، ودلنى فى حفرتى، وخلنى وشأنى، وادع الناس إلى البيعة، فمن قال برأسه هكذا فقل بسيفك هكذا.
وكان نقش خاتمه أؤمن بالله مخلصا، وقيل كان نقشه يا وليد إنك ميت، ويقال إن آخر ما تكلم به سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، وقال إبراهيم بن أبى عبلة قال لى الوليد بن عبد الملك يوما: فى كم تختم القرآن؟ قلت: فى كذا وكذا، فقال: أمير المؤمنين على شغله يختمه فى كل ثلاث، وقيل فى كل سبع، قال: وكان يقرأ فى شهر رمضان سبع عشرة ختمة.
قال إبراهيم رحمه الله: الوليد وأين مثله بنى مسجد دمشق، وكان يعطينى قطع الفضة فأقسمها على قراء بيت المقدس.
كانت وفاته فى يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة من هذه السنة، قال ابن جرير: هذا قول جميع أهل السير، وقال عمر بن على الفلاس وجماعة: كانت وفاته يوم السبت للنصف من ربيع الأول من هذه السنة، عن ست وقيل: ثلاث، وقيل: تسع، وقيل: أربع وأربعين سنة، وكانت وفاته بدير مران، فحمل على أعناق الرجال حتى دفن بمقابر باب الصغير، وقيل: بمقابر باب الفراديس، حكاه ابن عساكر.
وكان الذى صلى عليه عمر بن عبد العزيز لأن أخاه سليمان كان بالقدس الشريف، وقيل: صلى عليه ابنه عبد العزيز، وقيل: بل صلى عليه أخوه سليمان، والصحيح عمر بن عبد العزيز، والله أعلم. وهو الذى أنزله إلى قبره وقال حين أنزله: لننزلنه غير موسد ولا ممهد، قد خلفت الأسلاب وفارقت الأحباب، وسكنت التراب، وواجهت الحساب، فقيرا إلى ما قدمت، غنيا عما أخرت.
وكانت خلافته تسع سنين وثمانية أشهر على المشهور. والله أعلم.
قال المدائني: وكان له من الولد تسعة عشر ولدا ذكرا، وهم عبد العزيز، ومحمد والعباس، وإبراهيم، وتمام وخالد وعبد الرحمن ومبشر ومسرور وأبو عبيدة وصدقة ومنصور ومروان وعنبسة وعمر وروح وبشر ويزيد ويحيى. فأم عبد العزيز ومحمد أم البنين بنت عمه عبد العزيز بن مروان، وأم أبى عبيدة فزرية، وسائرهم من أمهات أولاد شتى.