لم يكن الكاتب الراحل محمود محمد شاكر معروفا بين الناس قبل تأليفه كتابه "المتنبى" الذى أثار ضجة كبيرة بمنهجه المبتكر وأسلوبه الجديد فى البحث، حيث يعد علامة فارقة فى الأدب.
والغريب أن شاكر الذى ألف هذا الكتاب سنة 1936 ولم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره لم يكن يقصد تأليف كتابا عن المتنبى، إنما كان قد كلفه فؤاد صروف رئيس تحرير مجلة المقتطف آنذاك، بأن يكتب دراسة عن المتنبى مسهبة بعض الإسهاب ما بين عشرين إلى ثلاثين صفحة، لكن هذا التكليف تحول على يد شاكر كتابا مستقلا عن المتنبى أنجزه فى فترة زمنية قصيرة على نحو غير مسبوق ونشرته مجلة المقتطف فى عددها الصادر فى الأول من يناير عام 1936، وصدر فؤاد صروف مجلته - وفقا لكتاب برنامج طبقات فحول الشعراء- بقوله: "هذا العدد من المقتطف يختلف عن كل عدد صادر منذ ستين سنة إلى يومنا هذا، فهو فى موضوع واحد ولكاتب واحد".
واهتدى شاكر فى كتابه إلى أشياء كثيرة لم يكتبها أحد من قبله استنتجها من خلال تذوقه لشعر المتنبى، فقال بعلوية المتنبي وأنه ليس ولد أحد السقائين بالكوفة كما قيل، بل كان علويا نشأ بالكوفة وتعلم مع الأشراف فى مكاتب العلم، وقال إن المتنبي كان يحب خولة أخت سيف الدين الحمداني واستشهد على ذلك من شعر المتنبي نفسه، واستُقبل الكتاب بترحاب شديد وكتب عنه الرافعي مقالة رائعة أثنى عليه وعلى مؤلفه.
ووفقا لرسالة "في الطريق إلى ثقافتنا" التى تصدرت كتاب المتنبى فإن العجيب أن المديح الشديد لم يعجبه لأنه يرى أن كتابه لا يستحق كل ذلك، حتى إنه رأى أن النقد الموجه لكتابه كان نقدا على غير أصول علمية.
وقد قال في حوار له مع د. نجم عبد الكريم: لم أجد كاتبا إلى هذا اليوم قام بنقد هذا الكتاب نقدا صحيحا أو فهم طريقة ما كتبت. فليس هناك من نقد الكتاب كما ينبغي أن ينقد.. نقده الدكتور طه حسين في كتابه مع المتنبي نقدا لا أستطيع أن أعده نقدا في الحقيقة، لأنه لا أصل له..إن كل هذا الثناء لايؤثر علي ولا يغير شيئا من قناعاتي، كما أن الثناء لا يغير رأيي في الناس! وأقولها بأمانة: إنه لم يكتب أحد كلمة استطيع أن أحترمها بشأن كتابي سوى رجل واحد كتب نقدا لي من وجهة نظره، وهذا النقد يحتوي على شيء من الحقيقة، أما الرجل فهو الأستاذ "الوديع تلحوم"، وقد نشره في مجلة المقتطف، ولم أحتفظ بشيء مما كتب عني سوى هذه المقالة أو هذا النقد، بالإضافة إلى مقالة أستاذي مصطفى صادق الرافعى.